حين يشيد حفيد محمد الخامس بوطنية صحافي مغربي

 

أحمد الجلالي

 

 بعث الملك محمد السادس برقية تعزية مواساة إلى أفراد أسرة المرحوم الكاتب والصحافي محمد أحمد باهي، الذي فارق دنيانا بعد صراع مرير مع المرض.

وأعرب الملك بهذه المناسبة الأليمة، لأفراد أسرة الراحل، ومن خلالهم لكافة أهل الفقيد وذويه ولأسرته الإعلامية الوطنية، عن “أحر التعازي وأصدق مشاعر المواساة في فقدان هذا الإعلامي المقتدر” والذي وصفه الملك بأنه ” كان مثالا للوطنية الصادقة”.

تكفي هذه الجملة فقط لتلخيص سيرة الرجل إنسانيا ومهنيا ووطنيا، فلقد كان سي باهي طينة نادرة من الرجال. كان مغربيا عربيا صحراويا. كان صبرا وكبرياء صحراويا حقيقيا يمشي على قدمين.

ابتسامة لا تفارق ثغر الفقيد العزيز، وتواضع الكبار الواثقين من أنفسهم كان العنوان الأبرز للراحل، المشمول إن شاء الله بعفو الرحمان الرحيم.

التقيته أول مرة قبل نحو 17 سنة.التقينا في الصحراء، بمناسبة مؤتمر ما في العيون، وفي المرة الثانية خلال ندوة وجدت نفسي جنبا إلى جنب على المنصة في قصر المؤتمرات بالعيون..في الصحراء المغربية أيضا.

ولأني كنت قرأت عنه وقرأت له وجالسته وأهداني كتابة “تندوف بيت النار” فقد انتابني نوع من الوجل والارتباك. سألت نفسي ما عساي أضيف جنب هذا العملاق الذي قضى عقدا في حفرة بالرابوني وتندوف، تحت حرارة جهنمية رفقة الحشرات  والهوام الصحراوية السامة..هو الذي أخذ غيلة وغدرا..؟؟

بعد الندوة، وفي أحد مقاهي العيون، وفي ليلها الصيفي الأخاذ، فاجأني المرحوم بأنه أعجب بتدخلي..وأهداني كتابه مع الإهداء الموجود في الصورة رفقة هذا المقال. ظننت أن الرجل جاملني وشجعني، لكن لاحقا سأعرف أنه قصد ما قال لي تماما.

هؤلاء الكبار هم من يرفعون همم الشباب المبتدئين.لم يكن رحمه الله حقودا ولا متكبرا، وظني أن سماحته ربما شملت حتى أعداءه. الجلوس إليه بالنسبة لي ولمن عاشره عن قرب يساوي الجلوس إلى مكتبة غنية.

في مغربنا وفي عالمنا العربي المشرقي ليس سهلا أن تجد صحافيا يجمع بين الإعلام والإبداع الأدبي كالقصة والسيرة والشعر. وإن وجدته فحي على محاربته واستهدافه وقتله معنويا ومحاصرتها خبزيا.

الراحل باهي في ذهني و مخيلتي ملتصق بالباهي الآخرــ محمد الباهي ــ الصحافي الكاتب المبدع والمناضل الذي خصه الكبير عبد الرحمان منيف بكتاب “عروة الزمن الباهي”، والذي مات وهو في أوج عطائه بسبب “فقايص” كائنات هي في قاموسي “أزبيلات”.

طيلة ثلاث سنوات، أذكر أني قرأت “بيت النار” كل رمضان، وفي كل مرة كأني أقرأ الكتاب لأول مرة. لن أنس تلك الصور القوية في ثنايا سرد المؤلف، لن أنس “المستحيا”، لن أنس حين سمع الراحل في المذياع  ابنته تتحدث عنه من الرباط، وهو هناك في “لحمادة” الملعونة..

أي رجل كنت يا باهي ومن أين أتاك الصبر؟

لعله الإيمان الذي يصنع المعجزات. وحين استرجع تلك اللقاءات الجميلة مع سي باهي، أدرك حجم الخسارة، كما يكبر عندي تأنيب الضمير لأني خلال سنوات هجرتي علمت أنه كان مريضا وكان مبرر “ضيق الوقت” و “في أقرب فرصة سوف..”  وخلافهما مانعي من زيارته والقيام بما يجب القيام به معه.

لم أفعل لشديد أسفي، ولعلنا قبيلة الصحافيين لا نحيا حياة طبيعية تسمح لنا أن نعيش ونموت كباقي خلق الله..ننشعل عن الأحبة كما ننشغل حتى عن حياتنا وصحتنا.

سامحني أيها الراحل الغالي باهي فقد قصرت نحوك وأنت الذي كنت وتستحق ذكراك كل خير.

مثلما سرقتني الصحافة فقد راودتني الكتابة والتأليف، ومن بين إصداراتي كتاب “الخروج من فم الثعبان”، المشابه لـ”بيت النار” في العذابات والتجربة..لعلي أفدت من “بيت النار” وصاحبه.

سيدي أحمد باهي لك علي الرحمة اليوم وغدا إلى أن ألحق بك، وللزملاء والكتاب والدولة أبعث هذه الرسالة:

أعطونا زقاقا نسميه باسم الراحل..كثيرة؟ أعطونا قاعة في “لاماب” أو بمعهد الصحافة تحمل اسمه؟ كثيرة أيضا؟ طيب، اجمعوا الأعمال الكاملة للمرحوم و اطبعوها، عرفانا له وعدم تنكر لوطنيته، التي يشهد بها اليوم ابن الحسن الثاني، حفيد محمد الخامس، الملك محمد السادس شخصيا.

على روحك السلام أخي باهي.

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد