فلسطين المحتلة..ما حصل خلال عشاء مع اللواء جبريل الرجوب

أحمد الجــلالي

سرى حديث شبه هامس بين أعضاء الوفود المشاركة في المؤتمر أن هناك ربما زيارة لمدينة القدس الشريف. وصلني الخبر ومعه أبلغت بتخوفات من كون الوضع الأمني في تلك الظرفية يقتضي التريث أو العدول عن الفكرة نهائيا.

في مثل هذه الأوضاع، وسيما مع إزاء الفرص التي لا تتكرر عادة كزيارة بيت المقدس يتضارب العقل والعاطفة: العقل “الرزين/الجبان” يقول لا داعي ويستحسن ألا…والقلب المسكون بالعواطف، وهو البؤرة الحقيقية للتفكير، يقول: وماذا ستخسر إن حاولت؟ ويضيف لك همسا: ومن يضمن لك أن هذه المناسبة ستأتيك مستقبلا أيها البعيد عن فلسطين بآلاف الأميال؟

تنازعتني هذه المشاعر بقوة وكان أكثر سيناريو يزعجني هو أن نصل إلى أبواب المدينة المقدسة ثم تمنعني قوى الاحتلال الصهيوني من دخولها، أو تسمح لنا بدخول القدس وتحول بيننا وبين زيارة المسجد الأقصى، فيكون الأمران معا مرين في قلبي ما حييت.

استقر الرأي في النهاية أن نذهب إلى القدس وليحدث ما يقدره الله لنا وعلينا.تحفزت كثيرا في انتظار اليوم الموالي، وقبله بليلة كان هناك عشاء في فندق فخم حضره علية القوم الفلسطيني في عاصمة البلاد المؤقتة، رام الله.

خلال ذلك العشاء جمعتني المائدة نفسها مع كوادر بارزة من منظمة “فتح”، ضمنهم وزير الرياضة اللواء جبريل الرجوب، الذي فاجأني ليس بشخصيته القيادية ومنسوب معارفه بل بحس الدعابة لديه أيضا.

قبل تلك اللحظة بيومين كنت قمت بمبادرة بسيطة وقلت للإخوة الفلسطينيين يجب أن نجسد عمليا شعار”بالروح بالدم نفديك يا فلسطين” عبر الدم والروح فعلا لا قولا، وقلت عندما أموت أو اقتل فأعضاء جسدي هبة لأهلي بفلسطين. أحد الإخوة، ونحن على العشاء أخبر الرجوب بالأمر، فأجابه اللواء: إن كان أخ من المغرب فعل هذا فأنت عليك أن تستشهد إذا؟

ولأن المناسبات تتيح اللقاءات والمصادفات فقد تعرفت إلى عدد من الوجوه التي ظلت بذاكرتي حتى وإن غابت بعض الأسماء عن الذاكرة.من ضمن من أتذكر إعلامية شابة اسمها ناريمان شقورة،قمة في الأدب والرقة والثقافة والأخلاق.ولن أنس زميلين عزيزين: الإعلاميان رائف طنيب وحسني شيلو، هذا الذي فعل كل ما يمكن من أجل متابعة دراسته على مستوى الدكتوراه بالمغرب لكن في كل مرة يصطدم بشروط وعراقيل أساسها البيروقراطية واللامنطق الإداري، لكن أبا يمان يملك من الصبر والأمل ما يجعلك تستغرب حقا.

كما لن أنس ذلك المواطن من رام الله الذي قص علي كيف أن كثيرا من أهل المدينة والضفة عموما لم يسبق لهم أن رأوا شيئين: القدس والبحر، وكيف أن صغيرته لما تمكنت من السفر إلى البحر ضمن رحلة منظمة كان خائفا عليها كثيرا من أن تصاب بصدمة وهي ترى الموج والبحر لأول مرة.

سألته كم تبعد القدس عن رام الله، فهز رأسه شبه مستغرب من جهلي ثم هز يده مشيرا إلى المدينة المقدسة: شفت الأضواء..تلك هي القدس؟

رباه كم هي قريبة وبعيدة هذه القدس عن أهلها وناسها. إنك تعيش في فلسطين ولست في فلسطين. الاحتلال يقسم أن يجعل حياة أبناء وبنات فلسطين مرة معقدة. في كل شبر حاجز، وبين المشكلة والمشكلة معضلة. وبعد كل قرار أهوج قرار أرعن. ومن خلف كل قانون جائر رغبة شيطانية في تعذيب بني الإنسان.

ترى هل سنتمكن غدا من زيارة بيت المقدس التي رأيتها أول مرة في صورة على حائط الفصل، من السنة الأولى ابتدائي، بمدرسة سيدي الكامل، قبل نحو أربعين سنة.

نمت تلك الليلة بغرفتي في فندق أبراج الزهراء وأنا بين النوم واليقظة والحلم. كان الأمر استثنائيا في حياتي المهنية والإنسانية وكعربي وكمسلم. بكل هذه الأبعاد المتعانقة والمتداخلة.

 WWW.ACHAWARI.COM

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد