من حامي الدين إلى راقي بركان..عجائب بلد وفضائح شعب

أحــمد الجـــلالي

يطفو هذه الأيام على سطح الأحداث الوطنية حدثان هما إعادة محاكمة عبد العالي حامي الدين و راقي بركان.
الحدث الثاني ضاعت تفاصيل تفاصيله بين الفيسبوك واليوتيوب، وزادت في حقيقته و باطله العشرات من قنوات الصرف غير الصحي المنتشرة هشيما في عرض الناس من بسطاء القوم إلى عليتهم، ولا ناه ولا منته لهذه الكلاب المسعورة والمتعطشة للعق دم الضحايا بمجرد أن يسقطوا أو يتم إسقاطهم.
أما الحدث الأول فيشي من خلال رد فعل “البيجيدي” وأمانته العامة و حركة “الإصلاح والتوحيد” أن إخوة عبد العالي عازمون هذه المرة فعلا على “عدم تسليم أخيهم”  لأي كان.

                         ***                         ***                      ***
الموضوع بلا شك قابل للسجال القانوني، من خلال مفرقين أساسيين يؤطرهما على الأقل مبدءان فقهيان:  
ــ كونيا، تقول  المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي إنه  “لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة على جريمة سبق أن أدين أو برئ منها بحكم نهائي”.
ـــ وطنيا، هناك مبدأ استقرار الأحكام القضائية واستمرارها، فضلا عن أن المتهم سبق له منذ أكثر من ربع قرن أن  حوكم فسجن ثم بريء ثم استفاد من تعويضات لجنة الإنصاف والمصالحة.
نترك السجال القانوني للفقهاء ونمضي  إلى ملاحظاتنا كإعلاميين في مقدمة همومنا الحصول على الخبر ونشره، ثم الرجوع لتحليله والتعليق عليه، وإلا صرنا ماكينات بلا روح، وهذه المهنة كلها محض انعكاس لأحداث وأشخاص على صفحاتنا.
 جاء الحدثان سالفا الذكر متوالين، لحكمة يعلمها الراسخون في “علم السياسية المغربية”، الذي أكرمنا الرحمان الرحيم بأن جعلنا من الجاهلين به على الطريقة المتخلفة التي يفهم بها الكثيرون فعل ساس يسوس.
وساس يسوس المغربية تختلف عن باقي أفعال ساس في أصقاع أخرى، وما لها من مرادفات ومفردات هي بنات عمومتها في السياسة و التسوس وباقي أفعال التخريب.
في بلدان عربية وشرقية يدخل ضمن السياسة أيضا رصاصة في الصدر أو في الظهر، أو حادثة سير بشعة غريبة، أو وقوع طائرة أو ببساطة “بات ما اصبح”، وهناك من اختصر الأمر إلى آله منشار يقوم بالواجب كل الواجب، ولو في قنصلية الوطن في بلاد أجنبية.
في مغربنا للسياسية معمعان له مذاق آخر على المراقب غير الآلي أن يحتاط منه لأنه قد يؤدي به مع مرور الزمن إلى قابلية تقبل كل شيء وبلعه على أساس مبدأ “كلشي ممكن”.
                         ***                          ***                    ***
في نازلة الراقي غير الشرعي، في منطقة محافظة كبركان، ليس الأمر مجرد حادثة عابرة عرضية، لأن اقتران الجرم بفعل يمتح من الدين، يعطي الخلطة مذاقا آخر يدعو للتساؤل: كم من الرقاة لدينا؟ ومن يجعل بعضهم شرعيا والبعض الآخر على شاكلة صاحب واقعة بركان؟ كم دجالا وعرافة يقترفون المصائب في الأحياء والأزقة تعلم بوجودهم السلطات ولم تحرك يوما المياه العطنة بأفعال الشعوذة والدجل؟


في نازلة إعادة محاكمة حامي الدين، لم “أندهش” مثل المصطفى الرميد ” ولم “أصدم” مثل عبد اللطيف وهبي.
لماذا يا سادة؟
لأني، بكل بساطة، وبحاسة سياسية غير حزبية، كنت أقول لنفسي بما أن الغمام يشي بقرب الغيث، وإن أمطرت فلا عجب، فإن كثرة الحديث عن آيت الجيد و “قتلته” وإثارة اسم حامي الدين، لن يجعلني أستغرب من إعادة فتح الملف. بل أكثر من ذلك، كثرة إثارة الموضوع يفترض أن يسحب الدهشة من المندهشين والصدمة من المصدومين.
أنا لا أبريء، ولا أجرم، ولست قاضيا.
قلت إني لم أصدم ولم أندهش مما سلف..وماذا آخر؟
لم أندهش من اندهاش الرميد وكل أصحاب حامي الدين، ببساطة لأن هذا هو المطلوب من الهيئات و الكائنات الحزبية: أن تدافع وتنافح وتنصر و تهتف وتساعد وتدعم أبناءها وبناتها، وإلا ستكون ضعيفة في نظر بقية الحشود و الاحتياطي الانتخابي فينفضون من حولها.
لم أصدم من صدمة وهبي عبد اللطيف لأن الرجل عودنا على مثل هذه الخرجات، ومن حقه أن يعبر عن مشاعره كسياسي ومحامي و برلماني زميل لحامي الدين في “الكبدة التشريعية”..على الأقل.
 لا ولم ولن أندهش من مواقف الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذراع السياسية لحركة “التوحيد والإصلاح”. هؤلاء الناس منسجمون مع أنفسهم ويقومون بم تقوم وستقوم به كافة الأحزاب المغربية حينما يكون قياديوها ــ على الخصوص ــ في ورطة.
سيدافع أخنوش عن بوسعيداته ومزواراته مهما حصل ..ولن يلام..في السياق المغربي.
وسيدافع بن عبد الله عن “جوج فرنكاته” و “تبرع رفاقه مع ولادهم”..ولا ملامة..في السياق ديالنا.
وسيدافع بركة عن دوام بركات أحفاد زدي علال..ولا ملامة علينا لا ملامة..ورحم الله عبد الحليم حافظ.
وسينافح امحند العنصر عن كل  العصافير و الجوارح  حتى لو جعلت  السنبلة.. عصفا مأكولا.
وسيكافح بنشماش بلا هوادة من أجل كبار ركاب الجرار..مهما صنعوا بالسفينة الزرقاء، ورغم الداء والإعياء.
وسيقاتل لشكر “في خاطر” كل اعليوات  ومالكيات وبنعتيقات الحزب..يفعلها با ادريس دون ان يرف له حنك او جفن.
                           ***                                ***                     ***
الذي أستغرب له حقا هو هذا النفاق المنهمر بين وفي وعلى صفحات المواقع و منصات التواصل/التناحر ــ بتعبير العاهل الأردني ــ الاجتماعي. فجأة صار برأيهم على قيادة البيجيدي أن تصمت ولا تتضامن مع أحد أعضائها، وكأننا في السويد أو ألمانيا أو النرويج.
 الذي أندهش له هو هذا “الانتعاش”/ التكالب الموسمي لبقايا اليسار الذي فقد كل مشروعية بقاء و أزالت رياح الوعي عنه كل ورقة توت أو بردي أو تين. ليس بالمغرب فقط بل في كل ربوع الرقعة العربية من البحر إلى البحر. لقد صار أثخنهم من العراق إلى فلسطين خدما لدى الرجعية ــ بتعبيرهم أمس وليس تعبيري ــ مقابل البترودولار.
ولائحة المناضلين/الشيوعيين/المرتزقة المرتمية في أحضان القوادة الفكرية والإعلامية خصوصا، مخيفة كما وكيفا.
الذي يصدمني فعلا هو ارتفاع منسوب البلادة والسطحية لدى النخبة المتكلسة ببلادنا، فلا الزعامات زعامات، ولا القامات قامات، ولا الشعراء شعراء..إنهم يصمتون في وقت الكلام الضروري، ويتكلمون حينما يكون الصمت خير موقف.
من يأخذ منهم صوت الببغاء ويمدهم بصمت أبدي يتكلم، نزولا عند رغبة الشاعر أحمد مطر؟

الأحزاب ببلادنا، ومن جحافل النقابات والجمعيات، خلقت في البدء من أجل المقاومة، ثم صارت تعبيرا عن رغبة في الحكم فنالت حكومات، ثم أضحت ديناصورات تكفر بالزمن، ثم تحولت إلى أدوات عرقلة لتقدم التاريخ وكوابح لعجلة التطور، ثم استحالت إلى أورام خبيثة وجب استئصالها كي لا تسقط مناعة جسد الأمة فيخر الوطن صريعا.
أحزن كثيرا على مصير الطالب الشهيد ابن الفقراء آيت الجيد، وكلما رأيت صورته سألت نفسي: هل كنت يا أنا ستصمت لو كان أخاك؟ فيصير دمه في أعماقي دم أخ لي.
وسأحزن كثيرا أن يفلت من العقاب أو يظلم أي مواطن، سواء كان اسمه عبد العالي حامي الدين أو زيد أو عمر أو فاطمة أو مريم..
سأفرح..سأطير فرحا مع ملايين  المغاربة الصامتين.. يوم يساق كل المشبوهين، كل الفاسدين، كل اللصوص، كل الظلمة، كل السفاحين، كل المغتصبين، كل الفارين من العدالة، كل الخونة المتآمرين، كل ناهبي المال العام، كل المدلسين والمزورين، كل مدمري آمال وطموحات الأجيال..كلهم كلهم حين يساقون إلى ساحة القضاء وتأخذ العدالة مجراها..حتى ينالوا جزاءهم عن بينه، ويحيى المغرب شامخا بثوابته عن بينة.
 قولوا آمين.

www.achawari.com

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد