محمد بن توزالت
كم ذا من تقي حكيم مات ولم يذكره الناس، وكم ذا من تافه غبي مجده الناس، ليس ههنا نهاية المطاف، فاحرص أن تذكر وترفع عند الله، ولا تلتفت لذكر الناس وتمجيدهم.
فكثيرا ما احتفظ تاريخ البشرية بسير الطغاة الأغبياء، وغفل عن سير الحكماء العرفاء: العبرة بديوان الله، فإما أن يحفظ اسمك بسجل الأبرار أو يحفظ بسجل الفجار، وشتان بين هؤلاء وأولئك، وتذكر دائما هذه الحكمة الجليلة:
سقط ثعلبان في المصيدة فالتفت أحدهما للأخر متسائلا: أين الملتقى بعد هذا؟
فأجابه صاحبه فورا:"غدا في دار الدباغة" .
لب الحكمة لا تجده في الكتب، إنما يستخلص من معين الحياة ويستقطر من تجاربها، فحاول أن تبقى حيا كي تدرك..
با ـ لمحجوب:
با-لمحجوب رجل شيخ تجاوز السبعين لا يملك من الدنيا عندما التقيته وتعرفت إليه سوى بغل هرم وقيطون وبعض أدوات حرفته، له أولاد وأحفاد قد يكفونه عناء التنقل لطلب الرزق، إلا أن إخلاصه ومحبته لحرفته جعلاه يأبى ذلك بعزة وأنفة، رغم كبر السن ووهن العظم واشتعال الرأس شيبا..
التحق رفقة بغله وعُدّته بالدوار الذي أسكنه، ونصب "قيطونه" وعقل دابته في ساحة بجانب المسجد، تماما مقابل كوخي الطيني ذي السقف الخشبي الذي حدثكم عنه.
كان أول لقاء لي به قبل أن يصبح أنيس وحشتي وباعث الرضا والتفاؤل في قلبي، في إحدى ليالي شتنبر المتقلبة؛ فبينما كنت منهمكا في قراءة "تاريخ موجز للزمن" لهوكينغ العظيم، سائلا الرحمة من الرحمن الرحيم لروحه الحائرة التواقة لاكتشاف أسرار هذا الكون الفسيح ذي السر الغامض البديع، محاولا تارة فهم ما يريد قوله في فقرة، وتارة أخرى تدبر عباراته والتأمل في أفكاره.
أيام "الجمهور":
في غمرة هذا التأمل سرح بي خيالي بعيدا في ماضيي وما جرى لي فيه من تجارب ناجحة وأخرى فاشلة، مستعرضا الأحداث الكبرى التي وقعت لي وجعلتني ما أنا عليه الآن. بدءا من دراستي بعض الفلسفة وتعلم شيء غير يسير من اللغة الألمانية الكفيلة بمساعدتي لتحقيق حلمي في السفر إلى ألمانيا لإتمام دراستي في الفلسفة وعلم النفس، اللذين عشقتهما أنداك، وتبخُّر ذلك كله في لحظة زمنية وجيزة لأجد نفسي مصححا بجريدة لم تعمر طويلا كانت تدعى يومها "الجمهور".
كان يرأس تحرير "الجمهور" الصحفي المخضرم طلحة جبريل وبها تعرفت إلى أحمد الجلالي، صاحب موقع "الشوارع" هذا، والذي كان يرأس القسم الثقافي بالصحيفة حينها، باركه الله وبارك جهوده.
راعي أغنام:
كاد صاحب الجريدة وزيرا بحكومة المرحوم بإذن الله عبد الرحمن اليوسفي، وكانت تربطني به صلة قرابة. وظفني الوزير إرضاء لأبي المعترض بشدة على سفري للخارج، و ليشغلني عن حلمي بالسفر الى بلاد "الجرمان"، لكن مع إعلان إفلاس "الجمهور" تبخر الحلم ووجدت نفسي عائدا إلى قريتي مسقط رأسي لأعين أخي الأصغر في بعض شؤونه الزراعية، ولأرعى بعض أغنامنا التي لم نجد لها أنداك راعيا.
بعد عام من ذلك كله، عدت إلى مراكش معشوقتي الثانية بعد قريتي، لأدرس عامين من علوم الحاسوب، تلتها تجربة مشروع تجاري وزواج فاشلين، لا لشيء سوى غلبة طبعي البدوي علي وظني أن أكثر الناس من ذوي صفاء النية مثلي، وبعدها خدمة ما يقارب عامين بإحدى الضيعات الملكية التي ما استفدت منها غير سداد دين كان قد أتقل كاهلي، جراء ما مر بي من فشل في الزواج وفي التجارة، وبعض صداقات من أهل الخير ما يزالون في ذاكرتي وما زلت في ذاكرتهم، وأيضا التقائي بشريكة حياتي وأم ولدي حاليا.
يُتبع...
رابط الحلقة الأولى:
https://achawari.com/news3904.html