اتسمت الدبلوماسية المغربية في الفقرة الأخير ببعض الندية، وحُلت بعض عقد اللسان الرسمي وتوفقت الرباط بحمد الله في صياغة بعض التصريحات التي تعني شيئا بخلاف ما تعودنا عليه من ابتسامات مع الفاسي الفهري ومن قبله عبر كان يُلاك فحسب دون أن يعني شيئا تقريبا.

وقد استفاق المغاربة نهاية هذا الأسبوع على خبر إنهاء مهام بنشعبون،السفير المغربي في فرنسا، وانتبهنا إلى أن إنهاء المهام ذاك حصل فعليا قبل أيام ولم يخبرنا أحد من الرسميين بسبب التأخر في الإعلان عنه.

ومهما يكن، فليس علينا كرأي عام وطني ووسائط إعلام أن نكون "طماعين" أكثر مما يجب في "المعلومة" من قبل الإعلام الرسمي وتوابعه، لأن الرأي العام آخر هم قد تحمله الحكومة وكثير من المؤسسات ذت الصلة.

الخطوط العريضة لخلفيات إنهاء مهام بنشعبون لا تتطلب كثيرا من العبقرية لفهمها أو تخمينها، ففرنسا والغة في ما أقدم عليه البرلمان الأروبي حيال ملف حقوق الإنسان في بلادنا. ولم يكن للحملة الأروبية من "نعمة" على العباد في هذه البلاد سوى إنقاذ "البرلمان" من البطالة....فقد وجد الطالبي العالمي وصحبه فرصة لـ"الاشتغال" و "النبوريد" والعنتريات و إعطاء الدروس العظيمة للغرب في الدمقراطية وحقوق الإنسان والحيوان والجماد.....

ولكن بر الأمان في شارع محمد الخامس بعاصمة المملكة لم ير ولم يسمع ولم يشم رائحة طنجرة الشعب وهي تصفر عاليا من شدة الاحتراق الذي سببه غلاء الأسعار، تماما مثلما لم يعلم رئيس الحكومة "مول المحروقات" أن أسعار البنزين انخفضت عالميا إلا عندنا فقد أقسمت ألا تبرح مستواها الكوفيدي ذي الصلة بالسياق الدولي المتعلق بالحرب العالمية الثالثة المفترضة...

لن أكون مبالغا في التفاؤل بأن المغرب سيفعلها فعلا ويعاقب فرنسا الامبريالية مثلما يمور في صدور السواد الأعظم من المغاربة الذي قتل أجدادهم برصاص الفرانصيص وأهين آباؤهم في مناجم فرنسا ومصانعها وفي قنصلياتها ومدنها وجامعاتها وشوارعها...ولكني أعتبرها ــ إلى أجل غير معلوم ــ سحابة شتاء أخرى سرعان ما سيجد لها تريكة فرنسا وطابورها العاشر..تخريجة لتعود العلاقات "قوية تاريخيىة استراتيجية" وينطلق موسم الغزل الذي حفظنا جيدا مفرداته وقواميسه عن ظهر قلب.

ومع ضآلة تفاؤلي برد الصاع صاعات لهذه الآفة المسماء فرنسا، المسلطة كالكوابيس على أحلامنا والقابعة في أوصال وعينا كالسرطان يأبى أن ينهض من على عقولنا وثقافتنا ولغة تعاملنا اليومي، وإداراتنا ومناهجنا ولغة تدريسنا. مع هذا أقول للدولة ولنفسي: عيب أن تبقى سفارتنا بباريس بلا سفير.

وقد قررت لأول مرة في حياتي أن أتصرف كأي انتهازي عتيد، فاسغل هذا الفراغ في العلاقات بين البلدين لأقفز، في ظل غياب طابور الرغبين في هذه الوظيفة، لأضع ملفي كاملا مكمولا ومعه "سيرتي المهنية" الحقيقية معززة بشهادات الخبرة، وإلى جانبها "سيرتي الأخرى" التي صنعها لي وروجها عني منذ عقدين تقريبا أصحاب الحسنات في الوسط المهني و"السياسي"..سيرة موازية أنا منها براء كمعطى مادي ملموس.

سيكون ملفي مكونا من شهادات مصادق عليها، ومن "السيفي الحقيقي" ومن "بروفايل" أصحاب الحسنات إياهم لثلاثة أسباب: لكي لا أكذب على المخزن وحاشاي أن أفعل..ثم لكي لا أضيع وقته في عناء البحث عما روج عني، وأيضا لأخدم نفسي على وجه السرعة وأختصر الطريق لأهل الحل والعقد وأعينهم على نفسي لتعييني سفيرا "خارقا للعادة" بجمهورية ماقرون.

وسيكون لتعييني سفيرا "خارجا عن المألوف" بفرنسا أفضال وخدمات كثيرة سأسديها للوطن وللمواطنين وللدولة وللمخزن، ومن بين ذلك ما يلي:

ــ أولا، سأكون أول سفير للمملكة في فرانصا يستعمل اللغة العربية الفصحى وأحيانا الدارجة المغربية ممزوجة بكثير من مفردات وتعابير الأمازيغية في ندواتي الصحفية، وأما في مراسلاتي الرسمية فسأفرض الفصحى والإنجليزية.

ــ ثانيا، سأغير البرتكول المعتاد شكلا ومضمونا: سأرتدي اللباس المغربي المعروف عندنا شمالا وجنوبا، من جلابة ببلغتها الصفراء ودراعية صحراوية وجلباب جبلي قصير..إلخ وأما في تنقلاتي فسأزاوج بين البشكليط و أي سيارة متواضعة ليست من صنع فرنسي.

ــ ثالثا، سأحول السفارة إلى ورشة عمل يومي مفتوح على مدار الساعة، بمعية خبراء وطنيين للبحث عن مصالح المغرب أولا اقتصاديا وثقافيا. وأما القناصلة فسوف أغيرهم وآتي ببروفايلات من اختياري وسأضع لكل واحد منهم برامج وأهدافا للتنفيذ مربوطة بآجال زمنية معقولة وسيكون أمامهم أمران: النجاح أو حزم حقائبهم والعودة إلى الرباط للمحاسبة عن الفشل.

ــ رابعا، سأعامل "الرعايا الفرنسيين" بالمثل، مع حبة زيادة بمذاق مغربي، لأني أتقن "الغنان" إن ثارت في تاعروبيت ووضعت أحدهم في رأسي. وهكذا في عهدي الدبلوماسي الجميل سأفرض الفيزا مقابل الفيزا، والتأخير مقابل التأخير، واللامبالاة مقابل عدم الرد، وقليان السم مقابل أي تجاوز...باختصار، عقدان ونيف من الصحافة علماني كيف أرد بالسم الزعاف على من أساء لأبناء وبنات بلدي.

بالله عليكم يا دولة ويا مخزن ويا حكومة...بصدق يعني بصدق: هل ستجدون في هذا الظرف المشحون من "يبرد لكم لغدايد" في فرنسا كما أستطيع أنا أن أصنع بهذه الدولة التي تفننت في إهانتنا والعمل ضد مصالحنا إلى حد  أنها أزالت مرة سمطة سروال أحد وزراء خارجيتنا قصد التفتيش في المطار؟

 ولو كنت أنا مكانه كان أدنى رد فعل لي هو أن أشلح السمطة والسروال و "تبوني" أيضا وأكشف لباباهم المستور... وألقي خطابا بمضمون كان سيدرس في باب "كيف تكون سفيرا مغربيا حقيقيا".

وإني لواثق أني فضلا عن مردوديتي التي ستكون في وقتها لن أكلف خزينة دولتي، في زمن الغلاء الفاحش هذا، أموالا ذات بال، ولي اليقين أن ميزانيتي لن تتجاوز ما يصرف على أبسط موظف بالسفارة نفسها.سأعفيكم من السيارة الفارهة والفيلا الباذخة والخدم والحشم، لأني ابن القاع والخصام تاريخي بيني والترف، ولست متعطشا لحياة البدخ لأنها غير صحية لي بدنيا ونفسيا.

 وكونوا، رعاكم الله، على يقين أن ابنكم البار..الذي لا يعاقر خمرة ولا يرتاد حانة أو بار لن يخجلكم ولن يلهف ميزانية السفارة، ذلك أن لي برنامجا "تقشفيا" في هذا الصدد لو طرحته هنا فقد أحرم من هذه الوظيفة فضلا عن يقيني بحرماني كثيرين من لذة النوم في العسل.

ها أنا يا ناس اضع الدولة أما مسؤوليتها التاريخية. فإما أن تعجل بإرسالي سفيرا "فشي شكل " لفرنسا وتعطيني فرصة لرد الدين للمحتل القديم أو تحجم عن ذلك فتكون حرمت البلاد والعباد من خدمات "بنادم" استثنائي..ومقيوم عليها فابور تقريبا.

ثم لماذا ترفض الدولة تعييني بديلا تاريخيا لبنشعبون...هل خوفا على العلاقات من أن تسوء مثلا؟...فقد ساءت أصلا وكل ما سيقوم به "ابن منصور" هذا هو الإسراع بالكي لعلاجها أو بثرها "وبلاش منها معالقات" مع دولة علينا أن نتابعها بتهم جرائم الحرب في حقنا وحق كثير من العرب والأمازيغ و المسلمين.

وعلى من سيتهمني بالطمع في منصب كبير أن يطمئن لأني ذو كبرياء لا يتصور وستكون لي شروط على الدولة لأقبل:

ــ لن أتلقى تعويضات عن مهام وسيكون أجري بالدرهم المغربي فقط وفي حساببي بالمغرب على ألا يتعدى راتب أي إداري من فئة سلم عشرة.

ــ أن أسكن في أرخص شقة بضواحي باريس وأسلم الدولة توصيلات الإيجار شهريا.

ــ مكاين لا حرم السفير ولا صديقة السفير ولا هم يحزنون..سأكون صولو ولله الشكر والحمد...وبلا طباخ لأني أفضل أكلي الذي أطبخه بطريقتي.

ــ الحفلات ستكون قليلة جدا وبالشاي المغربي وشي حليوات مع الحريرة والبلبولة بطريقتي مرات أخرى.

ــ أما "فلوس الجيب" يعني "البوكيط ماني" فسيدخل ضمن خانتها مأكلي ومشربي اليومي..ولكرم دولتي واسع النظر والتقدير.

لم أكن هازلا إلى حدود هذا السطر...ومع هذا تعالوا إلى مزيد من الجد:

ماذا لو صدق هذا المقترح الافتراضي وسار على إثره كل أصحاب السعادة من سفرائنا وقناصلتنا عبر العالم؟  ثم لماذا لا يكون لنا وزراء ومنهم وزير الخارجية بهذه المواصفات المناضلة الفدائية في سبيل الوطن؟

إن الفكاك من المتربصين بنا من قوى الشر التي تفعل الأفاعيل لتدمير ما تبقى من سيادتنا الوطنية ومقدراتنا وهويتنا لن يمر عبر خطابات و "تحوزيق" من تربوا بملاعق من ماس في أفواههم، ولن يتأتى بأبناء الذوات ولا نسل المحميين ولا أبناء فرنسا من بني جلدتنا.

سيتحقق هذا وأكبر منه فقط بهمة وعزيمة وإيمان من اخشوشنوا حتى استووا ، ومن يشتغلون بعقول أدمنت تعاطي المعقول فقط، وقلوب مؤمنة بأن خدمة الوطن بنكران ذات من أفضل الجهاد.

ـــــ  قلت لنفسي: فيق أشريف واش تولدت في بادية اولاد جلال وباغي تولي سفير؟؟ قلتحيا كبيرة هادي آ ولد منصور  ـــــ

www.achawari.com