وصفات “شوارعية” مجربة ليتفادى المغاربة الانفصام والاكتئاب والانتحار

أحمد الجَـــلالي

لن يكون اكتشافا أو إصافة علمية قولنا إن ما يسمعه المغاربة في بحر وما يرونه في محيط آخر. ولن نضيف جديدا إن أكدنا أن الخطاب الرسمي بكافة أذرعه “كوم” والحقيقة المرة في مكان آخر.

الحقيقة المرة التي هي الواقع كما هو بلا مساحيق أو أقنعة هي بالضبط المساحة الممتدة بين بطن المواطن وجيبه وما تبقى من كرامته. تلكم هي المنطقة الحساسة التي ترسل للدماغ رسائل غير مشفرة كل لحظة، أو بالأحرى كلما سمعنا صياح التلفاز أو صخب الراديو أو وقع بصرنا على صفحة عنكبوتية.. مدفوع لها سلفا.

ولقد طال المطال ــ على قول الراحل العظيم صباح فخري ــ سنين كثيرة حتى طبعت الأغلبية مع هذا الواقع البئيس، واقع العيش في الاستعارة والمجاز. ولكن، خلال الخمس سنوات الأخيرة بدأت المحن تترجم إلى ارتفاع مهول في صفوف المغاربة بين مكتئب ومنفصم ومهدد بالشلل ونائم تحت التخذير…والأقسى ارتفاع حالات الانتحار بوتيرة أسبوعية، ويا لأسفي صمن فئة الشباب.

وبما أن الدولة لا يبدو أن لديها ما يمكن أن تسعف به حاضر ومستقبل جيل بأسره فقد “ضاخت” الشوارع لكي تبتكر  بعض الإسعافات الأولية والحلول الجزئية لكي تجنب من هم في عمر الزهر والأقحوان آفات الانحدار إلى درك الاكتئاب وقتل النفس.

ليس أمامنا بعد الإيمان بأن السماء أعدل ورب الكون أكبر سوى التحايل النفسي لتجنب الكارثة…مثلا:

ــ إذا سمعت أو قرأت أن بلادنا تتقدم إلى الخلف في سلم التنمية عالميا فلا تتوقف كثيرا عند الأرقام والرتب في الصحة والشغل والعيش الكريم، بل اقنع نفسك أن المقصور ليس المغرب وإنما مغرب الشمس..وليكن أمريكا.

ــ إذا سمعت أو قرأت أو ساهدتهم يقولون إننا نعيش تحت وطأة أغلى سعر للمحروقات دوليا فلا تكترث لأن من يروج لهذه الأخبار هم أصلا جهلة في مسائل الاقتصاد والاستهلاك والأمور الماكرواقتصادية. ثم تذكر أنهم متآمرون هدفهم الأخير زعزعة الاستقرار ببلدنا الآمن..وكفى.

ــ إذا شاهدت فيديو لسيدة تلد أو تموت في باب مستشفى عمومي فلا تنخدع به و “دير في بالك” أن الفوتوشوب مكن المفبركين من آلية جهنمية لتزوير الحقائق… وحتى أن كان الشريط حقيقيا فإن “الفالطة” في من تلد إذ كان عليها أن تؤجل الوضع إلى أن يكون الوضع المادي والطبي ميسرا. ولا بأس أن تضيف لنفسك الأمارة بالفشوش: واش المغرب ناقصوا لولاد…وهاد لولادة لاش؟

ـــ إذا سمعت عن أي حوار اجتماعي يتزعمه “موخاريق” فاكر ربك في نفسك ولا تظن أن زمننا يستحيل أن تحصل فيه المعجزات و “الخوارق”.

ــ إذا شاهدت أو عشت واقعة فيها “مشرملون” يطوفون بسيوفهم في حارة أو حي ويروعون الناس فلا تكن أحمق وتتهم البلاد بنقص الأمن لأن أولئك “الفتوات” فيهم مواهب سينما وتمثيل ولأن البنيات التحتية لوزارة “مهدي” ومن سبقوه غير جاهزة فقد انطلق الشباب ليتمرنوا على أدوار يحلمون بها مستقبلا.

ــ إذا اكتشفت باليد والعين المجردة أن ما بين يديك من أموال أو أجر شهري أصبحت معه “محاشم حتى مع بطنك” فلا تتهم الحكومة بالغلاء ولكن العن “السياق الدولي” واشتم أبو علي بوتين يوم فكر في احتلال أوكرانيا.؟

ــ إذا قيل لك إن سبب الأزمة هو إغلاق “لاسامير” فظن خيرا ولا تسأل كثيرا عن الخبر. ففي النهاية ولاة الأمر هم الأعرف بمزاجنا، وهم يخشون علينا من الرخاء لأنه يفسد الأخلاق، أي أنهم يطبقون السنة النبوية التي تريد من المؤمن أن “يخشوشن” لأن النعم لا تدوم. ياك افهمت؟

ــ إذا جاء علينا وعليكم حين من الدهر ــ لا قدر الله ــ وصرنا نقاتل من أجل شربة ماء بفعل الجفاف والقحط فإياكم أن تلوموا المسؤولين الذين لم يرشدوا استهلاك الماء و “قيلوا عليكم” قصص ملاعب الغولف و”لافوكا” بعدها لأن اللوم كل اللوم عليكم أنتم الذين تتنعمون بالدوش  ثلاث مرات على الأقل كل أسبوع، و”الفالطة كل الفالطة” في نسلكم الذي لا يجد أعذارا مقنعة لكي يتيمم بدل الوضوء خمس مرات أو أكثر.

ــ إذا صار ثمن الخبزة الواحدة فوق طاقتكم فتلك نعمة لأن الإكثار من الخبز يجعل “فورما المغاربة” ــ خصوصا القوارير منهم ــ مشكوردة، ولذا فأنتم في نعمة صحية بسسب اضطراركم لوجبة واحدة في اليوم، وبه تتفادون تخاريف الأطباء ومصاريف الأدوية غير الضرورية.

ــ إذا لم تستطيعوا إرسال أبنائكم إلى المدارس الخاصة فتلك ليست مصيبة كما تتصورون بل نقمة في طياتها نعمة مفادها أو الأولاد لن يتعبوا كثيرا في الدراسة ويتوجهون للتكوين المهني بدل الجامعات ومتاعبها، وسيشتغلون في مصانع “الكابلاج” مبكرا بدل البحث عن العمل في إدارات الدولة حيث الروتين لهم وصداع الدماغ للخزينة العامة للمملكة.

ــ إذا قيل لكم إن الأنجليزية هي المستقبل ولم يكن بإمكانكم تدريس نسلكم هذه اللغة فلا تبتئسوا يا ناس. ألا ترون أن بريطانيا أم هذه اللغة صارت متخلفة ولم تجد ما تشتري به قبرا لملكتها ولذلك أخروا دفنها أياما؟؟

ــ إذا مرت عليك فصول السنة كلها بما فيها الصيف ولم تستطيعوا سياحة داخلية فلا داعي للسخط ولو بخثتم قليلا ستجدون ما يكفي من الفتاوى التي تحرم السياحة، على الفقراء من أمثالكم، لأن “الشرع” يريد بكم اليسر وتفادي المعاصي لتدخلوا جنة الرضوان أن لم تسخطوا على مجرد عدم السفر لبضع سنوات. ثم انظروا إلى الأشجار فهي لم تشك يوما انعدام السفر: تنبت في مكانها وفيه تترعرع ثم تموت رضية مرضية.

ــ إذا كثرت عليكم أخبار التحرش والاستغلال الجنسي كما حصل في مكتب اتصال “غوغرين” فلا تأخذنكم الأنفة الزائدة، فما يدريكم أن الفاعلين كانت نيتهم “الحلال” من خلال مشروع دمج دماء “الموحدين” من أتباع الرسالات السماوية. ثانيا، أنتم أدرى بأن التحرش صار رياضة وطنية في كل مدننا وأسواقنا وقرانا وجالات الاغتصاب لا تعد ولا تحصى وكم منها اعتبر بطولة وفحولة ورجولة..وكم منها قلبوه “قانونيا” إلى زواج في النهاية. زيد هادي على الأخرى وجر الكاشة ونم قرير القلب والعين وحاول أن تحلم بشيء لذيذ.

ــ إذا واجهتك مشكلة ولم تنصفك محكمة فلا تك ظالما لقضائنا الشامخ ولا تتماه مع التقارير الدولية ضده، فأولئك يجهلون حتما طبيعة شعبنا التي يفسدها فشوش العدالة المبالغ فيها، ولأنهم لا يعرفون أن العيش والتعايش مع الحرمان من الحقوق يعطي الحياة شغفا بحيث عندما تنصف تشعر وكأنك ربحت جائزة كونية لم تكن منتظرة، أما أن تنصف كلما اشتكيت فتلك لعمري حياة بلا مذاق.

ــ إذا مرت انتخابات وجاءت أخرى وذهبت حكومة وأتت لاحقتها، ولم يبد لك أن شيئا قد تغير، فلا تأس على ديمقراطيتنا، بل يا هذا احمد ربك واشكره أن بمغربنا فائضا من الأحزاب تختلف في الأسماء والرموز ويوحدها الخطاب والمضمون. هل تدرك قيمة التوفر على أحزاب “مؤمنة موحدة”؟ إنها معادلة “الواحد المتعدد” العبقرية الحكيمة التي ابتكرها لنا المخزن في نسختة المعتقة لأنه خاف على عقولنا من فساد الإيدولوجيات القادمة لبلاد الأولياء من الشرق الملحد والغرب الفاسق.

ــ إذا لم ترضك الإنتاجات الرمضانية فلا تسخط فوق الحد الذي تتحمله أعصابك، ففي النهاية “السوليما” ليس شيئا آخر غير مرآة تعكس لنا واقعنا وملامحنا..وملي نزيانو غادية تزيان بلا شك. فلا تطالب بمستوى “هوليود” وأنت ابن بيئة تتوزع بين دار البريهي ودار الضمانة وبويا عمر وجامع لفنا.

ــ إذا وليت طرفك شطر الصحافة في بلادنا ووجدت المحتوى فارغا أو تافها أو جبانا أو يفتقد للمواهب فلا تظلم قبيلة الإعلام فكلهم مغاوير لولا أن المشكلة في “الصالير” ولا تقس على القنوات ففيها أرفع المواهب لولا أنهم لا يريدون إرهاقكم بكثرة التحليل. و الشيء بأخيه يذكر، إياك أن تفتن بالإعلام القادم إلينا من بلاد الفجرة الكفرة فليس لهم علينا فضل ولا عبقرية زائدة والدليل أننا نتوفر على نقابة للصحافة ومجلس وطني للصحافة والله يا باباها السويد ما تكسابوا وأقسم أن “فرانصا كاع” لي الخاريج ما عندها بحالو، وأقسم مرة أخيرة بطلاق الثلاث أن ماريكان جدها لن يكون فيها نقابة كنقابتنا ولا مجلس كمجلسنا..والزمن بيننا أطال الله في أعماركم.

ـــ إذا وصلت، شابا أو شابة كنت، سن الزواج ولم تتوفر لكما الإمكانات ثم بلغت يا ابنتي سن اليأس وبلغت أنت عزيز سن اليأس “المعنوي” فلا تنتحران. افترضا أنكما في شباب دائم والدليل أنك ماتزال تدعى ابن فلان وأنت ابنة فلانة. ولكي تخففا ما نزل بكما، انظرا إلى حال من في سنكما ممن تزوجوا وأنجبوا، وتأملوا ما هم فيه من حروب مع الديون وأقساط المدارس الخاصة والسيارة لا قدر الله وخلافها.

ــ وإذا بلغت من الكبر عتيا ولم تجد لا دواء ولا تقاعدا ولا رعاية “برضو كمان” لا تحزن لأن من خلقك أراد بك خيرا كي لا تصل إلى أرذل العمر وتزداد ذنبوك، وخذها من “الشوارع” حكمة: من الأحسن ميشيطش العمور.

www.achawari.com

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد