بين الفلقة المغربية و الـBig brother المصري..هات يا واد إديلو

 أحمد الجَــلالي

كادت أناملي تخط الجملة الأولى في مقال نضج في مخي على عجل بخصوص الفقيه والفلقة المغربية “الأصيلة” لكني قلتُ لي: يا قلبي “لا تفرح” اتركها إلى فرصة أخرى فأيام الله مذ وعينا على هذه الأرض كلها فلقات.

والقضية التي أخرت “مسويطتي” ــ بتعبير الصديق الصحافي عبد المولى الزاوي ــ لثقافة الفلقة فينا كانت مشاهد من لقاء الوداد المغربي ونادي الأهلي المصري.

 قبل أن أسترسل أحب أن أوضح لقرائي القدامى والجدد أني على رأيي باق: فالكرة كملهاة لم ولن تكون قضيتي، وعليه فالكرة هنا مناسبة لإثارة جملة ملاحظات رافقتني طويلا ولم أشأ تقاسمها كتابة وعلنا مع الجميع.

لنبدأها من آخر لقطات اللقاء الرائع أداء وتنظيما وجمهورا: لاعبون مصريون انهزموا كرويا “يخرطون” بحنق الميداليات الفضية من أعناقهم بمجرد أن يسلمهم إياها مسؤولون كبار في “الفيفا” إلى درجة أن واحدا من بينهم رماها أرضا وهو يتدردب نزولا مغادرا على درج ممر بالملعب.

ماذا يعني هذا؟ يعني “لعب عيال” بتعبير المصريين أنفسهم تعليقا على مثل هذا السلوك الذي يناقض تماما تاريخ مصر، وتاريخ الأهلي ذاته.

لكن القضية، في ما يخصني على الأقل، يتجاوز بكثير غضب فريق سبق أن فاز بالكأس نفسها عشر مرات إلى درجة ظن أنها له دائما وأبدا وأن التاريخ الكروي توقف عند أبناء “أم الدنيا” ولن يتحرك صوب أحفاء “أب الدنيا”..المغرب.

ومرة أخرى “لكن القضية” في ما يعنيني على أقل الأقل، تتجاوز موت سريري للروح الرياضية إلى قضية أخطر تتعلق أساسا بنفسية الإنسان المصري، في سماته العامة وليس فردا فردا، فأنا لم أجر إحصاء بهذا الشأن لمائة مليون مصري.

مربط الفرس يا سادة هو عقلية ونفسية دفينة في أعماق الإنسان المصري الذي لا ننكر ريادته وسبقه في أمور كثيرة، ولكن “فرعنة” قبيحة تصعد إلى سطح تعامله كلما احتك تنافسيا مع أي مواطن عربي أو شمال أفريقي أمازيغي.

هنا يعلن الإنسان المصري نفسه زعيما على الكل و “الأخ الأكبر” للجميع. هكذا دون مبررات منطقية ولا معطيات عملية ولا أسباب “تخش النافوخ”..فقط لأنه مصري فهو أفهم منك وأجدر منك وأولى له فأولى منك ومني ومنهم.

وشعار المصريين القديم “مصر أم الدنيا” يريد أن يقول في الأصل إن المصريين هم الآباء الأولون لبني البشر. وحتى مثقفوهم ونخبهم عجزت الثقافة والوعي المفترض أن تطهر عقلهم الباطن من هذا الوهم الكبير…وهم “شعب الله المختار” الطافح بالعنصرية والعرقية. هذه هي الحقيقة “على بلاطة”..وأنا استخدم هنا شذرات من العامية المصرية عن سبق إصرار إكراما لها من جهة وإمعانا في تنسيم المقالة بتوابل مصرية، من “حتة ثانية”.

ولو سألتم كل من احتك بالمصريين عن رأيه الصريح والقطعي فيهم فإني على أراهن أن جوابه سيكون عسيرا لكثير من الاعتبارات منها:

ــ جواب موضوعي بصيغة يا أبيض يا أسود مستحيل تجاه الأشقاء المصريين لأن شخصيتهم أصلا مركبة.

ــ لا يمكنك نهائيا أن تكره المصري لأنه يمثل لكل عربي الأخ والرمز والذاكرة والفن ونوعا ما من البطولة، وقد كان المغاربة حتى الثمانينات يحتفون بالمصري ويلتقطون معه الصور..فقط لأنه من مصر.

ــ ولا يمكنك نهائيا أن تحب المصري “كله” عندما تطلع منه “فرعونيته” الموروثة عبر أجيال وقرون. وهذا معطى ثقافي ثابت و حقيقة لا مراء فيها.

على صعيد تجارب شخصية لي مع المصريين في الحياة العامة والمهنية أقول مطمئنا من الجانب الاجتماعي والإنساني فإنك قد تفضلهم على بني وطنك في تفاصيل كثيرة. ومن الناحية المهنية، فليكن ذهنك متيقظا ويدك على زنادك العقلي.

فزميلك المصري لن يتردد في ممارسة الأستاذية عليك وله من “السنطيحة” ما يكفي لنطحك والمرور على ظهرك غير مبال إن وجد فيك ضعفا أو ما لا يكفي من الثقة بالنفس والقدرات الشخصية.

وقد سمعت قصصا تشيب الرأس والقلب من زملاء عرب من العراق وفلسطين والسودان كيف كانوا ضحايا لتحالفات مصريين أنهت مسارهم في مؤسسات كبيرة.

وعلى ذكر التحالفات ضد باقي الجنسيات فالند  القادر على لي يد المصري بالأسلوب نفسه هم اللبنانيون. ولا تحدثني هنا ولا تسألني عن “تحالف المغاربة” في بلاد المهجر أو في مؤسسات دولية لأنك إن عولت على بني جلدتك ليتكاثفوا ويكونوا يدا قوية تضرب وتدافع..فقد “راحت عليك يا ولدي”.

كنت أود أن أفيدكم بهذه المناسبة بشيء عن المصريات ولكني بصدق لم أتزوج مصرية كما لم التق طوال حياتي سوى بضع مصريات تركن جميعهن لدي انطباعا طيبا عن عربيات مثقفات مكافحات.

غير أن هذه الملاحظات وتداعي الخواطر لا يلغي لدي بتاتا حقيقة أن أغلبنا استهلكوا المنتوج الثقافي والفني وحتى بعض السياسي الـ Made in Egypt. فأولى الأغاني التي حفظنا مصرية وأولى الأفلام التي شاهدنا مصرية وكذلك كان دأبنا مع الشعر والرواية والشعارات القومية.

ولأنه كان للسينما المصرية أثرها البالغ ودورها الماحق على وعي الشعوب العربية وشمال أفريقيا فإني وددت وتمنيت لو أن صناع ذلك العصر الذهبي قد أنتجوا أعمالهم بالعربية الفصحى ساعتها كانت مئات الملايين من شعوبنا ستكاد تنطق العربية بالسليقة.

اليوم ذهب التأثير المصري على المشهد العربي وانكفأت أرض الكنانة على نفسها تقاتل من أجل تأمين رغيف الخبز ويدها على قلبها مخافة أن يقطع الأحباش صبيب النيل.

وبذهاب تأثير المنتوج المصري على المغاربة كان لابد لشيء يسد الفراغ ويحتل المكانة. للأسف، ما أتى بعد المساهمة المصرية كان رديئا وشحيحا. فلا المشهد الثقافي المغربي مارس وعيا ذاتيا قوى الخصوصية الوطنية ولا نحن استوردنا ما هو أجود مما أنتج لنا المصريون في القرن الماضي.

الدرس الذي يجب أن نستخلصه من فوز الوداد يمكن سحبه على باقي التحديات التي تواجه بلادنا آنيا ومستقبليا. مشاكلنا محلية وأمراضنا محلية ونحن الداء وعلاجنا لا يوجد في صيدليات الأجانب وشفاؤنا بأيدينا…فالوداد كله على بعضه مغربي خالص..ولقد رأيتم النتيجة.

قال الشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم:

“سألت شيخ الطريقة مرضيش يجاوب سؤالي .. ودارى عني الحقيقة وفاتني حاير بحالي

سألت شيخ الأطبا دوا الجراح اللي بيا .. نظرلي نظرة محبة وقال دوايا ف اديا”

 www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد