عائد من حرب “كوفيد”..الإعلامي إفزارن يروي تجربته الفريدة مع الداء

  من قلم: أحمد إفزارن

 “كاتِبُ هذه السّطُور” وقَعَ خلالَ شهُورٍ مُتَتاليّةٍ في قبضَةِ فَيرُوس “كُورُونا”.. فبعدَ حُقنَتيْن تَطعِيميّتيْن، وهذا ما يُسَمَّى “جَوَاز اللّقاح”،  تَعرّضتُ لهجُومٍ كُورُونيّ مُباغِت.. وأصبَحتُ – بمَنزِلِي – مُمتَدّا على الفِراشِ بين الحياةِ والمَوت.. ودَخَلتُ في حالةِ طَوارِئ صِحّيّة، تحتَ مُراقَبةٍ طِبّية، ليلاً ونهارًا..

وفي المَنزلِ جِهازٌ للتّنفُّس الاصطِناعِي..

وأحيانًا أدخُلُ في غَيبُوبة.. ولا أدرِي أينَ أنا، ومعَ مَن، ولا أتذَكّرُ شيئًا.. دَخلتُ في حالةِ فُقدانِ الذّاكرة.. ونادِرًا ما أَعِي أنّنِي أنا هُو أنا..

واليوم، وبعدَ شُهُور، يَستَعِيدُ عبدُ رَبّهِ حياتَهُ الطّبِيعيّة.. وأبنائِي وزَوجَتِي يَحكُونَ لي ما وقَعَ أثناءَ الأزمةِ الكُورُونيّة، حيثُ كنتُ حاضِرًا بالْجَسَد، غائِبًا بالْوَعْيِ والذّاكِرة..

وإلى الآن، الرُّؤيةُ العامّةُ للسّاحةِ الوَبائية العالَمِية، عِندَنا وعندَ غيرِنا، ليسَت واضِحة، ولا تُفرزُ مَعلُوماتٍ دَقيقة.. وهذا رأيٌ إلى مَن تَعنِيهِم شُؤونُ الصحّةِ العُمومية في بلادِنا:

 لم نتَخلّص بعدُ مِن الغُمُوضِ الكُورُوني..

الفيرُوسُ لم يَتوقّف.. إنهُ يتطوّر.. فكيف يكُونُ غدًا؟ هل يتَحوّلُ إلى مَرضٍ مَوْسِمِيّ؟ هل “يَأخُذُ شَكلَ زُكامٍ سَنوِي؟ الارتِباكُ يطغَى على الحُكومة.. والمَعلوماتُ المُؤكّدة نادرةٌ بكثافةٍ وإقناع.. والسّباقُ بين الدّول الكبرى، لم يتَوقّف بحَلَباتِ المُنافَسةِ العالَميّة على إنتاجٍ اللقاحاتِ والأدويّة..

و”كُورُونا” تَرتَدِي عَباءةَ السّياسة، وتُحاوِلُ إقناعَ المُجتَمعاتِ بكَونِ التّطعِيم، بحُقنةٍ ثالِثَة، هو المَخرَجُ الوَحِيدُ للأزمةِ الفَيرُوسيّة في الظّرفِ الرّاهِن..

وحُكومتُنا تُصدِرُ بين الفينةِ والأُخرَى قراراتٍ غيرَ قابلةٍ للتّنفِيذ..

في طنجة -مَثَلاً- نشَرَت شركةُ الماءِ والضّوء، في بوّاباتِها بيانًا منسُوبًا إلى الحُكومة، مُوجَّهًا إلى الزُّبناء، يُفِيدُ أنّه لا يَدخُلُ إلى بناياتِها إلاّ مَن يَحمِلُ جوازَ التّلقِيح الذي قَرّرَتهُ الحُكومة.. ولكن الناسَ عندما يَدخُلون إلى البنايات، لا يَسألُهم أحدٌ عن جوازِ التّلقِيح..

وإذن، هي فقط ورقةٌ مُعلّقةّ على جِدارِ المَدخَل.. ورقةٌ في الأبوابِ الخارجية، ولا تُطبّقُ داخلَ البنايات..

وهذا يعنِي أنّ الحُكومة تُصدِرُ قراراتٍ لا تُنفَّذ..

ويَعنِي الازدِواجيّةَ في خِطاباتٍ حُكوميّة..

ويَتَبيّنُ أنّ تدَخُّلاتٍ حُكوميّةً لا تكُونُ مَضبُوطةً عندما تَختلطُ فيها السياسةُ بقضايا عِلميةٍ مُستَعصيّةٍ مُعقّدةٍ حتى على الوزارةِ المُختصّةِ بالصحّةِ العُمُومية..

وهذا الغُموضُ لا يقتَصِرُ علينا وحدَنا، بل تَنزَلِقُ إليه حتى مَناطقُ أُخرى من العالم، نظرا لكَونِ “كُورُونا” ليست قضيةً مَحلّية بقدرِ ما يَختلطُ فيها المَحلّي والعالَمِي، دُونَ أن يتِمّ الحَسمُ فيها عِلميًّا حتى الآن، وبشَكلٍ جِذرِي، في مُختلفِ زواياها..

ولا شكّ أن هُناك أعذَارًا كُورُونيّة، بسبَبِ غُموضِ الواقعِ الوبائي.. والوباءُ ما زال يصُولُ ويجُولُ في العالم..

وحتى الآنَ لم يَتِمّ الحَسمُ في مَسارِهِ عبرَ القارّات، وفي كيفيّةِ تَطوِيقِه، نظرًا لكَوْنِ “كُورُونا” ليس سُلالةً واحِدة، بل هي سُلالاتٌ فيها ما هو مَجهُول.. بينَما “الاجتِهادَاتُ” المَخبَريّة مفتُوحةٌ على نفسِها وعلى غيرِها..

والطريقُ ما زالَت غيرَ واضِحَة، مَحلّيّا وعالميّا..

ولَسنَا وَحدَنا في حالةِ ارتِباكٍ كُورُوني..

نحنُ أيضًا، مِثلَ غَيرِنا، لم نَنْجُ من تدخّلِ الفَيرُوسِ من تعدُّدِ أجناسِه، ومِن كونِه لم يَبُح بكُلّ أسرَارِه..

وهُنا أيضًا يَختَلِطُ الارتِجالُ السّياسي بالصّحّي في مُختلفِ أرجاءِ المَعمُور، وما زالَت التّكتُّلاتُ المُتنوّعة في العالمِ تبحَثُ وتتَبادَلُ ما تَيسّرَ لها من معلُوماتٍ واستِنتَاجات..

والمِلفُّ الوبائي، ورغمَ كلّ حَجمِ ضحاياه، ما زالَ في مَراحلِه الأُولَى من التّحرّياتِ والدّراساتِ والأبحاث..

وفي هذه الظروفِ منَ اللاّوُضُوح، نحنُ أيضًا نُعانِي صُعُوباتٍ اقتِصاديةً واجتِماعيةً وثَقافيةً وغيرَها، ونبحثُ عن مَسالكَ لتحقيقِ أْمْنِنا الصّحّي الذي سيَكونُ مِفتاحًا لكثيرٍ من القضايا المُستَعصِيّة.. وفي هذه الظّرُوفِ أيضًا، وعلى الصّعيدِ العالمي، تتَدَخّلُ “كُورُونا”، وأحيانًا بشَكلٍ شديدِ الخُشُونة، لتَعقيدِ بعضِ الخِلافاتِ القديمة..

وها نحنُ نبحثُ عن الكِيفيّةِ المُثلَى للتّخلّص من النّفَقِ الوَبائِي العالَمِي..

وفي خضمّ الغُموضِ المُستَشرِي بِمُختَلفِ الاتّجاهات، نطرحُ على أنفُسِنا أسئلةً قديمةً جديدة، لأنّ الفيرُوس ما زال يُؤثّرُ فِي حياتِنا اليومية، ومعَها نَضطرّ لإغلاقِ الأبواب، حتى لا يَكُونَ الطّيرانُ سببًا في إدخالِ سُلاَلاتٍ وبائيةً غرِيبة..

وفي هذه الأجواء، كلُّ العالَم يَبحثُ عن مَوْطِئِ قدَمٍ لنَفسِه في الخارطةِ العالمية الجديدة التي تَرسُمُها جائحةُ “كُورُونا”، لتحويلِ الوباءِ إلى مَورِدٍ جديدٍ للثّروة، تحت غطاءِ تجارةٍ صحّية وشَركَاتٍ لإنتاجِ الأدوية..

والأَمنُ الصّحّي العالَمِي ليس مُتاحًا للجميع، رغم أنّ سُكّانَ العالَم هُم جمِيعًا شُركاءُ في تَرويجِ المُنتَجاتِ الصّحّية..

والأمنُ الصّحّي أصبحَ ضرُورةً قُصوَى، في زمن “كُورُونا”، عبرَ القارّاتِ الخمس..

إنّ الأمنَ الصّحّي، حتى وهو حُلمٌ عالمي، هو يُدِيرُ حتى في الخَفاء، مُفاوَضاتِ الانفِراجِ السياسِيّ بينَ التّكتُّلاتِ والإيديُولُوجيّاتِ والمَصالِح، في طُولِ وعَرضِ الكُرةِ الأرضِيّة..

هل لحُكُومَتِنا رؤيةٌ استراتِيجيّةٌ لبِناءِ الأمنِ الصّحّي المَغربي، على أساسٍ مَتِين، قابلٍ لحِمايةِ الصحّةِ الوطَنيّة، وسَلامةِ الأجيالِ الصاعِدة؟

أين نحنُ من هذا الحُلمِ الجميل؟

أينَ نحنُ مِنْ أَمنِنا الصّحّي؟!

[email protected]

ـ تعليق:

“الشوارع” تهنيء قيدوم الإعلاميين المغاربة، الأستاذ إفزارن، بسلامة العودة إلى الحياة وتبارك له الانتصار على الداء، هو المعروف عنه صلابة المقاومة وخوض المعارك التي تتطلب طول النفس. نتمنى لأستاذنا تمام العافية وطول العمر ومزيدا من الإنتاج والإبداع.

ملحوظة: المقال منقول عن موقع “الصحيفة”

www.achawari.com

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد