المغاربة بين أزمة منتصف العمر..وأزمة منتصف وآخر الشهر

 أحمد الجَــلالي

ربما لأني بفضل من الله لم أمر بأزمات ماحقة، أو لأن شريط ما مر من العمر حتى الآن كان أزمات متلاصقة فلم أفطن إلى ما يسمى أزمة “منتصف العمر”.

والمنصف هذا للذكور والإناث منه نصيب متساو، حسب “خبراء” غربيين لاحظوا أن كثيرا منهم، سيما العباقرة والمبدعين، يمرون بأزمة في أواسط عقدهم الرابع يشعرون فيها بالوصول إلى القمة ثم التوقف للتفكير بأسى في الانحدار نحو النهاية المحتوم، أي “هادم اللذات” عندنا..الموت.

وقع بين يدي أخيرا كتاب عن منتصف العمر هذا  للمؤلفة الأمريكية، إيدا لوشان، وهي خبيرة تربية،  حاولت قدر جهدها إفهام الناس كيف يمكن لهم أن يعيشوا حياة سعيدة، أو أقل شقاء على الأقل، في   مختلف مراحل أعمارهم.

وعند نهاية قراءة أي كتاب أو مشاهدة أي فيلم يحمل رسالة ما إلى المتلقي، أفتح عيني وأسقط التجربة على واقعي الشخصي أولا والوطني ثانيا والعربي/الشرقي أخيرا. وهذا أمر طبيعي وإلا ستصبح القراءة فعل هروب أو تغييب ذهني للأنا.

ولذلك، عند طيي آخر صفحات الكتاب سألت نفسي هل يعيش المغاربة بل هل يعرفون أصلا “قضية” اسمها “أزمة منتصف العمر”؟

ــ أهل البادية، على الأقل ذلك الجيل الذي وعيته كآباء أو أجداد أجزم أنهم ولدوا وعاشوا وماتوا ودفنوا في المكان نفسه. هم مثل أشجار لا تراوح مكانها. برأيكم هل هذه حياة وعمر يكون له أصلا منتصف؟

 ــ الطبقة الكادحة في المدن، أو الماكينات البشرية اللاهثة بعرف يتصبب من أجل كسرة خبز تملأ بطونا خاوية وأفواها مشرعة تنتظر عودة رب أو ربة الأسرة لتطعمهم مساء. من فضلكم، دلوني على مبتدأ هذه الحياة وخبرها كي أتبين موقع منتصف “العمر”.

ــ الطبقة الوسطى، من عموم الموظفين صغارا ومتوسطين، لم أجد بعد منهم من يقول لي إنه يشعر بالسعادة. وكيف سيفكر هؤلاء “السيزيفيون” المثقلون بكل أشكال الديون والالتزامات المالية في المحطة التي وصلها العمر، وهم في حرب طاحنة مع وسط ونهاية الشهر؟

ــ رجال الأعمال الذين يعيشون أبد العمر تحت وطأة “جاثوم” الفوائد البنكية و بوغطاط الضرائب وشبح الإفلاس. بربكم هل حياتهم فعلا حياة تستحق أن يكون له مقدمة وعرض/منتصف ثم خاتمة؟ لا أظن.  

كتاب “الأخت” الأمريكية لوشان جعل خيالي يشتط لأسقط الحالة كلها على آخر القرارات العجائبية لحكومتنا، وتوقفت عند الوزير بنموسى ووضعت نفسي مكانه والتمست له كل الأعذار وانتصبت ضد نفسي لأسانده في قراره عسى أن أقنع عقلي أنه “ربما..ومن يدري..فقد يكون..”.

لكني لم أفهم ولا يبدو أني سأفهم وأقتنع بأن تحديد سن الثلاثين مؤسس على منطق ليكون بداية حياة وظيفية لمواطن أو مواطنة شابة، على فرض أنهما سيعيشان “أزمة أقل” بحكم الوظيفة، ثم ما بين عقد ونصفه سيخوضان تجربة “أزمة منتصف العمر”، هما اللذان عاشا بلا شك كل صنوف الأزمات النفسية والصحية والعاطفية قبل أن يحصلا على شهادة جامعية.  

والمؤسف في قرار بنموسى أنه أتى في حين يغلي الشارع المغربي جراء “أزمة الجواز” التي انضافت إلى مشاكل “الزواج” المتراكمة في المحاكم، فضلا عن الغلاء الفاحش الذي ضرب القدرة الشرائية في عمق العمق.

 ولأنه لم يبق ثمة متسع للتنفس فإن المغاربة يفتحون نافذة السخرية اللاذعة والقفشات الظريفة القارصة للعقل. وقد فاضت المنصات الاجتماعية بردود تجعلك تمنى مقابلة صناعها الحقيقيين، إنهم عباقرة بمعنى الكلمة من حيث سرعة البديهة وبلاغة الرد والقدرة على اقتناص المفارقات والتعبير عنها بأبسط وأقل المفردات.

لو قدر لي أن أقابل الأمريكية “لوشان” أو من يفكرون ويؤلفون مثلها في باب “العمر”، لا شك كنت سأبذل وسعي لكي أفهمها أن للعمر معان، وللمنتصف مطبات وشوارد.

وددت لو ترجمت لها التالي من ثقافتنا التليدة:

ــ سير سير ألعمر وشحال بغيت تجر؟

ــ عيشي عيشي ولا تموتيشي بنت أمي.

ــ سلك سلك أرا وكان.

ــ عيشي عيشي يلا بلادي عيشي.

ــ عمرو اعمر كلب عندو سبع رواح

ــ  زجلا: “ويعالجوك الناس بالصبر مع إنك عيان بالصبر: قومك صبر ونومك صبر لحد القبر..يا حول الله”

ثم شعرا: ” إن عدت الأعمار بالنعمى وباليسر فعمري ليس من عمري.”

وأخيرا ــ وكلام الله مقدم على الكل دوما ــ قال عز من قائل: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍۢ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍۢ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِۦ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَٱللَّهُ بَصِيرٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ”. صدق الله العظيم.

www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد