“لحم رقيق” يحكم شمال أفريقيا..جزائر للـ”تبون” وتونس تحت قبضة “نهدين”

أحمد الجلالي

عندما استعملت في هذا الموقع لأول مرة تعبيرا مغربيا معتقا هو “اللحم الرقيق” فإن الغاية كانت محاولة النهل من كنز الدارجة المغربية بحمولتها الدالة.

من هم من جيلي فهموا التعبير لكن الأصغر سنا استفسروني. قلت لهم إن أجدادنا حين هندسوا لغة هي مزيج بين عربي فصيح وأمازيغي صريح إنما حملوها ليس فسحب أصواتا تعبر عما هو مجسم بل ضمنوها أيضا كما هائلا من الاستعارة الخادمة للتواصل الذي راعى القيم الستلهمة من الدين والأعراف والتقاليد الدارجة في مجتمع محافظ الثقافة.

ويبدو أننا انتقلنا في هذا العهد الكوفيدي الأهوج من مراعاة مكانة و “حساسية” وخطورة اللحم الرقيق إلى عقول “رقيقة جدا” تحاول إعادة تصنيع هذا اللحم في سوق السياسية والفن.

ففي الجارة الشرقية الجزائر، التي وجد لها الفسابكة لقبا جديدا هو “كوريا الشرقية” كان قدر أشقائنا هناك أن يحكمهم رئيس صادف أن اسمه يعني للمغاربة ـ خصوصا إن نطقت تاؤه طاءا ــ يعني عضوا بارزا في نادي “اللحوم الرقيقة”.

وهكذا، كان علينا كمتلقين أن ننتظر وقتا طويلا حتى نعود عليه، وجب أن نحتاط أشد ما تكون الحيطة من ذكره في جلساتنا العائلية حيث توزن الكلمات والحروف بميزان دقيق قبل النطق.

وما كاد ينطبق علينا تعبير الزعيم عادل إمام، الذي مازال حيا يرزق: “متعودة وكل حاجة”، حتى خرجت لنا ولتونس وشمال أفريقيا والشرق الأوسط عموما كاتبة تونسية اسمها وفاء بوعتور بديوان موغل “برشة برشة” في ثقافة “اللحم الرقيق”.

 فقد أثارت بوعتور ، أو السيدة واو اختصارا، ضجة واسعة بعد إعلانها عنوان ديوانها الجديد  الذي اختارت له من الأسماء “نهديات السيدة واو”.

وقد تفرقت الأمة كلها إلى فسطاط داعم وفسطاط ناقم، ونسي الناس مؤقتا في تونس الخضراء الأيام الاقتصادية والسياسية السوداء وتفرغوا للنضال من أجل “النهديات” أو مهاجمة تضاريس صدر بدا متمردا على غلاف الديوان..الرقيق جدا.

ويبدو التونسيون محظوظين مقارنة بالأشقاء في الجزائر إذ وجدوا ما يزجون به أوقاتا عصيبة، فيما استفاق إخوتنا بالجزائر على خبر توقع تحقيق بلادهم أكبر عجز مالي في تاريخها وصل إلى آلاف الملايير.

ولكم أن تتصوروا مثلا لو طفا على سطح الأحداث المغاربية  هذه الأيام حدث ذو “لحم رقيق” ولكن بنكهة حسانية موريتانية، ساعتها سنغني جميعا مقطعا جميلا وقديما للساخر الكبير “بزيز” كان أبدعه تفاعلا مع موقف موريتاني غير ودي تجاه المغرب: “موريتانيا واش من طلية”..أيها السادة هنا موريتان ومنها نقولوا هذا..”

ولكي تعم الفرحة على شمال أفريقيا يستحيل استثناء المغرب،ولكي ينضج “اتحاد المغرب العربي” لا يمكن إلغاء دور الرباط لا جدا ولا هزلا.

وكم سيكون الأمرر ائعا لو ابتعدنا في هذه الايام التي لا يعلو فيها صوت على “النهديات”، بشكل جماعي ملحمي، عن أخبار جواز التلقيح ومتابعة الأخبار المحزنة وطلع علينا “شي ولد أو بنت لحلال” بأي شيء يجر ملامحنا المتجهمة ووجوهنا الكالحة وعقولنا المشوشة بعد عامين من الصراع مع الدكتاتور الظالم لخلق الله “كوفيد اللعين” إلى ساحة الشعر والفرجة والفرح، حتى ولو استعانوا باللحم الرقيق.

في الماضي كان الشعراء والكتاب يصنعون الحدث موسميا بإصدارات تثير الإعجاب والسجال، وملحنون يطلقون أغاني تشغل الناس شهورا وسنوات، وساسة ذوو مباديء يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بلا تراجع أو استسلام…واليوم ماذا؟

أيها المبدعون والمبدعات بمغربنا، أيها الشباب أيها الكهول أيها الشيوخ الظرفاء..أنقذونا من هذا اليم المتلاطم من النكد، أمتعونا بأي حدث “لذيذ” لا تنتهي صلاحيته ولا مفعوله في بضعة أيام..أمتعونا بكل شيء “رقيق”…لا غلظ الخالق جلود “لحومكم الرقيقة”..إذ لو حصل ذلك لكانت مأساة يرق لها حتى الصخر الأصم.

نسب لسيدنا علي، كرم الله وجهه،قوله: “روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت”. ومهما يكن القائل فالمضمون صحيح علميا وصحيا.

ولذلك، صار لزاما على المغاربة أن يبحثوا هذه الأيام بالخصوص عن كل شيء يسهم في الترويح عنهم، للتزود بالطاقة الضرورية لمواصلة الكفاح في الحياة والمساهمة في كل مناحي الإنتاج.

لا شيء يقهر الإنسان أكثر من اليأس والقنوط. ولقد صنعت لنفسي قبل عقدين دعاء أرجو أن يتقبله الله مني ومنكم إن رددتم ورائي: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والغم وقلة الدرهم..وممن لا يعي ولا يفهم”. آمين آمين.

 

www.achawari.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد