صياح ديك فرنسا من أنكر الأصوات..أسكتوه من أجل مستقبلنا.. Please

أحمد الجــَلالي

كلما رأيت رئيسا أو مسؤولا فرنسيا يتحدث شعرت بالأسى لأني أمضيت سنوات من عمري في تعلم لغته التي يرطن بها. لم أتعلمها فحسب بل أتقنتها نحوا وصرفا وتركيبا وكتابة ونطقا. كان أدنى معدل حصلت عليه على مدار السلكين الإعدادي والثانوي ستة عشر من عشرين.

ما الفائدة من هذه اللغة اليوم؟ لا شيء..لا شيء بالمرة.

تابعت آخر تصريحات “ماقرون” واجتهاداته في التاريخ والجغرافيا كما لم يفتني قرار باريس تقليص عدد التأشيرات إلى النصف في وجه طالبيها من بلادي المغرب ومن الجزائر وتونس.

قلت لنفسي: وما الداعي للذهاب إلى فرنسا؟ ولم لا نفرض عليهم بدورنا “الفيز”..وإلى حيث ألقت. فالعالم ليس هو فرنسا، بل ما قيمة فرنسا ولغتها وقوتها في عالم العمالقة اليوم، هي التي تتلقى الصفعة تلو الصفعة من أستراليا وحتى واشنطن دون أن يكون لديكها قسط من الشجاعة ليصيح.

أمس فقط تلقيت صفعة جميلة من ابنة أخي التي أقفلت عاملها الثالث حينما عدت أمامي الأرقام من واحد إلى عشرة بلغة انجليزية لاغبار عليها، هي التي لم تلج بعد حتى الروض.

ماذا يعني هذا؟ إنه يعني ببساطة اتجاه سير العالم نحو المستقبل. ويعني لي كمغربي أن قرارات الدولة بتأبيد الفرنسة يعد من أبشع الأخطاء الاستراتيجية بحق الشعب المغربي الذي فرضت عليه الفرنسية ليس إداريا فقط بل ذهنيا وعلميا وتعليميا.

بحسب خبرتي بالفرنسية، وتخصصي لاحقا في الإنجليزية، واطلاع غير قليل عل الإسبانية، فضلا عن العربية الفصحى، أستطيع الحكم على الفرنسية باطمئنان في خلاصات مبسطة:

ــ عمليا، تبقى لغة معقدة التراكيب مع ما يتطلبه إتقانها من صرف للطاقة وهدر للذاكرة، مقابل عدم استعمال في الواقع المهني والتثقيفي ولا السياحي حتى لمن يسافرون خارج البلاد.

ــ الفرنسية عبء على الأطفال وعرقلة لسرعة تعملهم فضلا عن كون اشتراطها على طلبة التخصصات العلمية المحضة أو التجارة أو الاقتصاد يؤدي دور فرملة للتقدم العلمي والأكاديمي، وبعد التخرج لا أفق بتاتا يكون أمامهم سوى بإتقان الإنجليزية.

ــ فرنسا نفسها المصرة على فرض “الهوية والاستثناء الفرنكفوني” على مستعمراتها الأفريقية، تضع هذه الهوية تحت قدميها وتدرس أبناءها العلوم بالإنجليزية. وبالإحصائيات فقرابة نصف الشعب الفرنسي اضطر لتعلم الإنجليزية.فما بالنا مصرون على الالتصاق بذيل فرنسا ولسانها؟؟

ــ عالم الشغل الآن ومستقبلا مرتبط بالإنترنت أساسا، والمغاربة الين فرضت عليهم الفرنسة مضطرون للتعايش مع هذه الإعاقة المهنية والثقافية، وبذلك فحظوظهم تتضاءل يوما بعد آخر في عالم “البيزنس”.

ومطالبتي باقتلاع الفرنسية من جذورها في وطني ليس رد فعل نفسي تجاه بقايا المستعمر الغاشم ــ وهي تهمة أعتز بها على كل حال ــ وليس فحسب ترفا أبتغيه وإنما ضرورة حيوية صارت واقعا لا يرتفع: لا إنجليزية..لا أمل ولا عمل.

والأمثلة على ضرورة التخلص من اللفيف الثقافي الفرنسي في المغرب وباقي دول أفريقيا كثيرة ولكن أبرزها رواندا، واحدة من أسرع بلدان العالم نموا.

فقد قرر رئيس البلاد الأنيق “بول كاغامي” قبل عقد فقط من الزمن جعل الإنجليزية لغة العلم والتمدرس فانظروا إلى حجم القفزة التنموية الرهيبة التي حققتها بلاد “الهوتو والتوتسي” بعد تلك الحرب الأهلية الطاحنة والتي تعرت لاحقا أصابع الإجرام الفرنسي في أتونها.

قرأت قبل فترة إقدام وزارة التعليم عندنا على إطلاق برنامج إذاعي لتعليم الإنجليزية. لست ضد الفكرة لو كانت جربت قبلا ثلاثين سنة مثلا. أما اليوم فالاعتماد على “الراديو” للتلقين البيداغوجي كمن يطلب من لاعبي كرة القدم ارتداء “كيلوطات” لاعبي الستينات زمن الأبيض والأسود. لن يكون للأمر من مردودية سوى مزيد من هدر المال العام والبروباغندا المكلفة لخزينة الدولة.

لنكن صرحاء، فالفرنسية بالمغرب رغم ضررها على ملايين المغاربة فهي رمز لنخبة تنتفع من ورائها وجاهة وسياسة وأموالا، وليس سرا أن محوها يعني ضمنيا انكشاح  هذه النخبة إلى دائرة الظل. ولكن على هذه “الرباعة” أن تذرك أنها تسير وتسير معها أمة ضد مجرى التاريخ الذي لا يرحم متخلفا أبدا.

قد يتحسس مني أو يغضب كوادر التعليم المفرنسين على أساس أن كشط لغة فرنسا من ساحاتنا سيعني تلقائيا خراب بيوتهم. لا مجال للخوف يا سادة وسيدات: “خبزكم في الحفظ والصون”، أنتم في النهاية أطر تربوية ومنظومتنا التعليمية تحتاج إلى خبراتكم الإدارية والتسييرية، فضلا عن إمكانية إعادة تكوينكم ضمن نسق جديد.

ومادام الشيء بالشيء يذكر، فلدينا لغتان وطنيتان هما العربية والأمازيغية يتحدث الأولى أزيد من مليار مسلم وعربي عبر العالم،ويتحدث الثانية ضعف مستعملي الفرنسية على وجه الأرض. فمن أزواد حتى سيوة المصرية مرورا بالجزائر والمغرب وتونس وليبيا.. حضارة وثقافة وتراث تحمل مستقبله لغتنا الأمازيغية السمحة.

العربية والأمازيغية ــ يا ناس ــ ألا تستحقان أن يتم  تحويل ما يهدر على الفرنسة من أجل تطويرهما وجعلهما يواكبان تحديات العصر، وفي ذلك منفعة حقيقية لثقافتنا وهويتنا وليس من أجل قبح عيون “الاستثناء والاستمناء” الفرنسيين.؟؟؟

www.achawari.com

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد