بعد خطاب العرش..مناقصة لدفن “الاستعمار” وبناء اتحاد مغاربي

 أحمد الجَــلالي

لم يكن حتى عتاة المحللين الاستراتيجيين لا بالمغرب ولا في الجزائر ولا حتى في العالم كله ــ ربما ــ يتوقعون ما خاطب به ملك المغرب ما دأبنا على تسميته إعلاميا “الجارة الشرقية”، الجزائر.

ولأصحاب التوقعات عذرهم في هذا “الفشل” في التنبؤ لأسباب كثيرة ومتداخلة لعل من أبرزها:

ــ تصريحات السفير المغربي بالأمم المتحدة حول تقرير مصير القبايل مازالت طرية و “بدمها” مثل سمكة صيدت للتو،

ــ تداعيات موقعة “الكركرات” وما كانت لها من آثار سياسية وجيوسياسية إقليمية ماتزال هي الأخرى “فريش”،

ــ التناقض المغربي ــ الجزائر استفحل أكثر من قضية “وفد بطوش” والأزمة مع إسبانيا سالت حوله أنهار من المداد وما تزال، في المغرب والجزائر معا، كما على أديم صحف العالم،

ــ وطبعا، لا سبيل لنسيان مسارات الفيلم السخيف الأخير المسمى “بيغاسوس” الذي يعلم من صنعوه أصلا أنه لن يقود سوى إلى مزيد من الغموض بهدف إطالة الفيلم لاستدامة الابتزاز على الطريقة الفرنسية الإمبريالية المتوحشة.

ولكن الثابت أن تمة معطيات لا يعلمها إلا الملك والراسخون في الدائرة الضيقة لصناعة القرار، فضلا عن شخصية الملك نفسه الميالة منذ توليه الحكم في البلاد، إلى حلحلة المشاكل مع الجزائر، وعلى كل حال ليست هذه هي المرة الأولى التي يمد فيها يد الصلح والإخاء شرقا.

والثابت أيضا أن النظام المغربي، في عمقه وفلسفته المتوارثة، وليس في مراحل تبدو فيها الأمور “لغير الراسخين في الفهم” ضبابية، هذا النظام عصي على التوقع داخليا وخارجيا.

ومن كان يتوقع مبادرة الملك، ليلة ذكرى تربعه على العرش، تجاه الجزائر فليتفضل ويثبتها لنا بالدليل الملموس.

سوف يتسابق كثيرون في “قراءة اسباب النزول”، وهذا أمر طبيعي ومستحب، لكن الإنسان يظل إنسانا، ومحمد السادس مواطن مغربي ومغاربي وإفريقي وهو معني أكثر من غيره بتأثير الأوضاع الإقليمية على الجميع، وهو معني أكثر من غيره لأنه رئيس دولة وقائد مؤثر في أفريقيا والعالم العربي، مع حضور دولي لا يخفى لليد المغربية في قضايا عالمية من شمال أفريقيا إلى القدس، وفي اتجاهات أخرى ليس بالضرورة أن تُنشر عنها تفاصيل.

وسواء استجاب الطرف الجزائري أم لم يفعل فإن الملك سجل موقفا لله وللتاريخ، والتاريخ في النهاية لا يحابي ولا يجامل ولا يرحم أحدا.

ولكن العقلاء هنا وهناك لابد أن يدركوا الفرصة النادرة التي أتيحت اليوم لإحداث الانعطاف والطفرة وتحقيق المعجزة في السياسة والاقتصاد والعقليات.

إنها فعلا فرصة لا يهدرها سوى من كان غبيا أو أحمق أو أعمى أصما أو مريضا أو لا يملك أصلا قراره الوطني بيده.

ولكي نكون موضوعيين فإن صناعة قرار المصالحة التاريخية بين نظامين ليس مسؤولية الحكام فقط، بل بالأساس قرار شعبين وصفهما الملك نفسه بما هو أقوى من “الشقيقين” بل اعتبرهما توأمين، وفي ذلك مغزى ورسالة يجب التوقف عندها.

الكلمات تختار بعناية لأن المرسل يعرف جيدا طبيعة المرسل إليه.

لم نعرف منذ عقود على مستوى المضمار الإعلامي والشعبي بين المغرب والجزائر سوى التراشق الإعلامي، أو لنقل ” البروبغاندي”  في الغالب، وبالمقابل نعرف كشعبين أن كثيرا من هذا التشنج يحتفي بيننا في بلادة الغربة: فالمغربي للجزائري أخ وسند، والجزائري للمغربي في الغرب ظهير وخاوة.

فهل الشعبان عدوان “افتراضيا” “توأمان” حقيقية. سؤال ينبغي أن يطرح ويليه أسئلة أخرى من قبيل:

ــ إلى متى؟ ومن المستفيد؟ وهل الصراع قدر؟

وتبرز اليوم مسؤولية الشعبين لفرض الأمر الواقع على الحكام عبر فعاليات صادقة أفقيا وعموديا في الداخل والخارج يكون هدفها دفن الماضي بما فيه من جراح وتعفنات وتقرحات، والتطلع لما يمكن فعله اليوم وبسرعة وغدا..بلا تردد.

هل هي أحلام؟ نعم يجب على الشعوب أن تحلم كي لا تصاب باليأس أو تموت كمدا.

ولكي يتم استثمار خطاب العرش جيدا من جانب المغرب فلا بأس من المبادرة ذات الاستعجال وهي مد يد المساعدة للجزائريين عبر دعم عملية التلقيح.

كما يمكن للمغاربة والجزائريين تنظيم لقاءات ومسيرات ولو رمزية على الحدود وفتحها ولو لوقت محدد لكسر الحواجز النفسية قبل الصخرية.

على سعيد الإعلام،رسميا كما على شبكات التواصل، لا بد من تعقيم كثير من الصفحات في البلدين، وإلجام كثير من الأفواه والمنصات  التي لن يكون لها مستقبل مع البذاءة، بل يمكنها الاختيار بين”التوبة والتحول” إلى صف البناء والإصلاح أو الدخول في دورة العطالة ثم الانقراض.

لا أحد بريء تماما، فالإعلام العمومي، وحتى الخصوصي بالبلدين معا، ليس مستقلا بالشكل الكامل، فالجميع انخرط في الحرب الإعلامية بمستويات مختلفة من الهجوم والمهنية واللامهنية حتى.

ولكن، كما استغل بعض الإعلام بمنطق “النفاثات في العقد” يمكنه التحول إلى وسائل بناء إن اتخذت القرارات الصحيحة في الجانبين وأقرت سياسات تؤسس لكيان سيهابه العالم عسكريا واقتصاديا إن نسق وتفاهم، كيان اسمه المغرب الكبير، ولا معنى لأي اتحاد او تكتل إن بقيت الجزائر أو المغرب خارجه أو ظلا متخاصمين أو بقي المغرب مبثور السيادة الوطنية على صحرائه.

مسألة أخرى تعتبر بديهية لن يلغيها أي حماس عفوي شعبي لإحداث المصالحة وتطبيع العلاقات بين بلدين. إنها اليد الاجنبية، قوى نظرية العسف والاستغلال،الفرنسية والإسبانية تحديدا، والتي ستلعب بجميع أصابعها الشيطانية لإدامة الأجواء العكرة بين الشعوب المغاربية لتبقى هي سيدة الحلب والصر، حلب الأنظمة وتفقير الشعوب وتجهيلها.

عسى أن تكون مبادرة ملك المغرب ــ في عز أزمة الوباء ــ الخطوة الأولى نحو تغيير مسار السياسة، وتقويم اعوجاج الجغرافيا بسبب انحراف التاريخ.

عسى أن يلقي النظام الجزائري السمع وينظر بعين الحكمة فلا يهدر على شعبه وعلى جيرانه فرصة مضيئة لاحت في سماء حالة غيومها.

عسى أن تستفيق النخب هنا وهناك، وتلعن شياطينها من الإنس والجان والسياسة والإعلام…أو على الأقل تتوقف عن مساعدة شياطين العولمة وما بعدها على إتمام مشاريع القهر والهيمنة والإجهاز على سكان هذا الكوكب بهذه الرقعة المسماة شمال أفريقيا.

www.achawari.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد