هذه الرسالة عن بولفاف و”البيغابخوش” والنذالة وإدمان المقالة

أحمد الجَـــلالي

أجد هذه الأيام صعوبة بالغة في تحديد مذاق “معقول” لحوادث وأشياء تقع حولي وبعيدا عني، وبعيدا جدا عنا لكنها تهمنها بقدر ما تؤثر فينا، وفي تحديدا على الأقل.

منذ صبيحة عيد الأضحى وأنا أحاول تطبيق برنامج ذي مذاق ما لكن الأمور لا تستقيم بشكل طبيعي. وبقدر ما حاولت تفادي “بولفاف” وما له من آثار على المعدة وشعيرات المادة الرمادية ومنسوب الفطنة فيها، هيمنت حوادث وتطورات دسمة على مساحة اهتمامات الرأي العام الوطني والعالمي.

ولأن  الواقع بباديتي  يكذب كل إشهارات “اتصالات المغرب” وباقي الفاعلين في القطاع حول”قوة الربط بالشبكة”، فقد كان الإنترنت شحيحا معي خلال أيام العيد كلها، وبالكاد استطعت الاطلاع على عناوين الصحف المغربية والبريطانية والأمريكية تحديدا.

وقد كنت استطيع “سرقة” بعض الصبيب بعد منتصف الليل كل ليلة إلى أن تمكنت من لملمة خيوط قصة “بيغاسوس”. وكان طبيعيا أن أفكر في مقالة عن الضجة، رغم نفوري الفطري من التعاطي مع هكذا قضايا بتسرع ومن أجل الكتابة بغية الكتابة والتسابق.

وقد هممت بتحرير موضوع خاص بهذا البرنامج غير أني لما توقفت عند الوقائع التالية قدرت أن الأمر لا يستحق مني نقطة حبر أو ضغطة على زر. فما هي هذه الوقائع؟

ــ توقيت نشر “التحقيق” المتزامن مع تناطح المغرب مع قوى عالمية وأخرى إقليمية نصرة لحقوقه التاريخية المقدسة وبلهجة دبلوماسية وإجراءات على الأرض كانت كافية لاستنفار جهاز التشكيك والنقد في عقلي المهني.

ــ خصصوا للمغرب ــ إلى الآن ــ خمس ما زعموا من أرقام هواتف تم التجسس عليها. وهذا وحده يكفي لفهم الأمور مسلحا بنظرية المؤامرة الضرورية في عالم لا ينحكم فيه أولياء الله بل جهابذة المتآمرين.

ــ أرادوا أن يُفهموا المغاربة “بزز” أن رئيس جهاز استخباراتهم الذي عينه رئيس دولتهم “يتجسس” على ملكهم ومحيطه..وهذا “القالب” لا يجعلك تفطن للعبة بل يدفعك أيضا للاستغراب لمنسوب السذاجة التي حرر بها فرع فرنسا لأمنستي تقريره، فضلا عن قلة حيلة من حاك القصة كلها. وهؤلاء القوم الذين تكتلوا في “قصص ممنوعة” مستنجدين باستقصائيي  سبع عشرة مؤسسة إعلامية كتبوا ما نشروا بماء لزج على ورق مثقوب.

ــ ثم إن هذا “البغاسوس” الذي سميته بيني وبين نفسي “البابخوش” و “ذبابنوش” ــ ولا أدري السبب ــ ليس في النهاية إلا واحدا من البرامج الخبيثة وما أكثرها انتشارا، يكفيني أنه منتوج كيان الاحتلال الصهيوني لأقول بئس الصانع البائع والمشتري المستخدم وأقفل باب التفكير.

لكن مهلا معاشر الفئات المرعوبة من برامج التجسس، هل لكم بنصيحة/وصفة تعيد إليكم الطمأنينة حيال كل مخابرات العالم؟ طيب،كوني فقط  يا عزيزتي ويا عزيزي منسجما مع نفسك وليتطابق خطابك مع فعلك، وقبل هذا اخش خالقك قبل أن تخش المخلوقات، وبها أضمن لكم ألا عجينة ستكون في بطونكم ولا ماء في أفواهكم ستخشون أن يندلق إن تحدثتم أو تحدثوا عنكم.

وأنا أتابع باقي الأخبار الوطنية استوقفني فرح وزارة الفلاحة بمحصول الحبوب للموسم الحالي، ولأني عائد للتو من قلب منطقة الغرب الفلاحية فإن الواقع الفلاحي واطلاعي عليه ليس بالأرقام بل بحساب “لخناشي” مقارنة بالهكتارات أقول مطمئنا إن مدينة أخنوش للأرقام الفلاحية الفاضلة لا توجد سوى في عقل أخنوش ومسؤوليه في الوزارة وباقي ألوان المغرب أخضره وأزرقه وقرمزيه.

وبعيدا عن الفلاحة وانهيار ثمن “الدلاحة” طارت أرقام الإصابات بوباء كوفيد في العلالي ووصلت اليوم إلى ما يناهز السبعة آلاف إصابة جديدة، ومعها تسارعت إجراءات التلقيح توقيتا وتسهيلات ولوجستيكا، وهي حركات حكومية تجعل حتى الأطفال المغاربة يتساءلون: وعلاش مديروهاش من قبل؟ مثلما يتساءل الكبار: داز العيد لكبير وحنا في كورونا وجا عيد آخر..واش مكنتوش عارفين العدوى غتشعل..علاش عيدنا؟

قلما تكون محظوظا هذه السنوات لتسمع أو تقرأ أخبارا جيدة أو أقل سوءا. وقد صرنا مستعدين لتلقي كل ما يحزن يوميا من كوارث ووفيات وحوادث وخيبات الأمل بانتظام وتسارع مريبين.

فما أن اطمأن المغاربة على مصيبة الوباء في تونس الشقيقة وساعدوا بما استطاعوا حتى تناقلت الفضائيات خبر انقلاب قيس سعيد ــ أستاذ القانون الدستوري ــ على الدستور والحكومة والبرلمان..وجمع وطوى أمام دهشة العالم كله.

ويبدو أن قوى الهيمنة الاستعمارية ووكلائهم بالمنطقة مصرون على إغلاق قوس الربيع واستقدام غربان الخراب السوداء إلى تونس الخضراء.

حمى الله تونس وشعب تونس ورمزية تونس.

إلى هنا أنهيت هذا “العمود” لكني سألت نفسي بكل صدق وجدية: ما جدوى كتابة المقالة..كل مقالة في زمن خفت فيه صوت الكلمة حتى أن تأثيرها لا يكاد يرى؟

والحقيقة أني أعرف أن المقالة

لن تقصم ظهر ظالم ولن تجلب عدالة

وأعي جيدا أن المقالة

لن تمنع العسل المغشوش ولن تفني نذالة

وأنا موقن تماما أن المقالة

لن تضمن خبزا أو تخفف وطأة عطالة

وأنا أعرف إلى العظم أن المقالة

لن تضع الشريف حيث ينبغي

ولن تزحزح عن الكراسي عتاة النذالة

لكني مصر بإدمان على كتابة المقالة

حتى أبصم بسيف الشعر والنتر

على وجه القبح وخصر اللاعدالة

حتى إذا ما قامت قيامة الوعي

أكون قد ضمنت للقلم بصمة

على خد أرباب الجهالة

وأكون قد حجزت لميسم الحرف

وصما على جبين السفالة.

www.achawari.com

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد