الانتخابات في المغرب على الأبوب..التوراني يبشركم: لا أمـــل

ذ.عبد الرحيم التوارني/ عن موقع “الحرة”

في شهر سبتمبر المقبل من هذا العام، سيستدعى الناخبون في المغرب لانتخاب أعضاء خامس برلمان في عهد الملك محمد السادس (تولى الحكم في يوليوز 1999)، وفي الوقت نفسه للتصويت على تجديد المجالس البلدية والجهوية. وحسب اللوائح الرسمية المحصورة في 31 مارس 2021 يبلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية: 609 746 15. سيتنافس على أصواتهم أكثر من 33 حزبا. 

ما هو واضح حتى اليوم، هو أن المواطنين المغاربة لا ينتظرون من الانتخابات أملا في التغيير وتبديل واقعهم نحو الأفضل والأحسن، أو ما يستجيب لانتظاراتهم في مجالات الصحة والتعليم والشغل وفي تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون. وذلك بسبب تعمق فعل فقدان ثقتهم على مدار عقود خلت في المؤسسات الانتخابية. هي لعبة سياسية بعيدة عن انشغالاتهم وأحلامهم. لذلك ينحصر التفاعل مع قرب موعد الانتخابات في وسائل التواصل الاجتماعي. وبينما يزيد اتساع الهوة بين الأحزاب والشارع المغربي، نرى أن أغلب الأحزاب تتسابق للإعلان عن أسماء وكلائها على رأس قوائم الانتخابات في كبريات المدن والجهات بالمملكة، وتنخرط في “حملة انتخابية سابقة لأوانها”.

تعد فئات الشباب والمثقفين في مقدمة الرافضين للعبة الديمقراطية بالعزوف عن التصويت. لقد اعتدنا عند كل استحقاق انتخابي أن تنطلق دعوات منظمة لمقاطعة التصويت وعدم المشاركة في الانتخابات. وبعد أن كانت دعوات “المقاطعة” تأتي في السابق من الأحزاب اليسارية الراديكالية، مثل “حزب النهج الديمقراطي” الماركسي، أصبحت الدعوة إلى المقاطعة تطلق من شخصيات مؤثرة في الشبكة العنكبوتية ومن جمعيات حقوقية وفعاليات مدنية مختلفة. ويمكن اختصار شعارات “المقاطعة” الموجهة إلى المواطنين في عبارة مليئة باليأس وبالإحباط: “أبشروا… لا أمل”. لا شيء يشجع على الأمل للانخراط في الاستحقاقات الانتخابية، أو ما يسمى هنا منذ حوالي نصف قرن بــ”المسلسل الديمقراطي”. فنحن أمام نفس الكائنات الانتخابية، يؤكد شاب من الدار البيضاء في العقد الثالث من عمره من ذوي الشهادات العاطلين عن العمل، ليضيف: “هي الوجوه ذاتها من محترفي العمل الحزبي ومن تجار وسماسرة الانتخابات، كما هي الشعارات نفسها تعود من جديد إلى الساحة بمناسبة كل دورة انتخابية. ولا مجال للوصول إلى تحقيق الديمقراطية والتنمية المفترى عليها. فكم من الأكاذيب والجرائم ترتكب باسمك أيتها الديمقراطية!… ما يحصل هو إفراغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي، لتصير الانتخابات هي الترياق المسموم الذي يسكب للناخبين من قبل مرشحين ممتلئين بالتواضع الكاذب وبالابتسامة المزيفة”. 

دائما ما تطلع نتائج الانتخابات لتفرض تكريس الأمر الواقع. وجوه لا صلة لها بالإرادة الشعبية وبعيدة عن طموحات الإصلاح والتغيير، ولا علاقة لها باحترام القوانين والدستور. فمن يزايد على قدرة الانتخابات في التغيير؟! بعد أن سيطرت ذهنية التشكيك والتيئيس على عقول المغاربة وأفقدتهم الجدوى في الذهاب إلى صناديق الاقتراع من أجل الديمقراطية الموعودة. صار المرشح الذي يتقدم إليهم من أجل إقناعهم بالتصويت لفائدة برنامجه وحزبه شخصا محتالا مخادعا، ومثل “عُرْقوب” المشهور في التراث بإخلافه لوعوده. ورغم الحملات التحسيسية والدعائية التي توزع على الأحزاب بميزانيات باهظة من المال العام، فإنها لم تنجح في تراجع عدد العازفين عن التصويت أو تغيير العقليات اليائسة والحذرة.

تحتفظ الذاكرة السياسية والشعبية في المغرب بتواريخ مثقلة بالوقائع وبمحطات بارزة تم فيها التلاعب بالإرادة الشعبية. ولم يعد اليوم التزوير يشكل أي ذهول أو صدمة للناس، فتنظيم الانتخابات وفق أساليب غير نزيهة صار من تحصيل الحاصل، ولا عجب!. ولا يمكنك أن تنزع من رؤوس العديدين أن الانتخابات بالنسبة للنظام ليست سوى وسيلة لتلميع الواجهة الديمقراطية – يتحدث موظف حكومي -، “فلا شيء سيتغير أو يتأثر بعد التصويت، والنتائج لن تبدل سوى الوضع المادي لأكثرية المنتخَبين، ولا بديل يلوح في الأفق، فبرامج الأحزاب صارت تتشابه، وما الديمقراطية لدينا سوى وهم وسراب. أين نحن من الديمقراطية التي نسمع عنها ونتفرج عليها من خلال ما يصلنا من أخبارها في الغرب؟!

وستعرف استحقاقات هذه السنة العمل بما يسمى بـ”القاسم الانتخابي”، وهي الوسيلة التي توصل إليها أصحاب الشأن في البلاد، لفرملة حزب “العدالة والتنمية” الذي يوجد على رأس الحكومة منذ 2012. وقد اعتبر اللجوء إلى القاسم الانتخابي “تزويرا انتخابيا بشكل قانوني”. ومجرد عبث ومهزلة وتحايل على الديمقراطية، “يخفي هاجسا سياسيا ثقيلا لدى السلطة والأحزاب حول حصول عزوف كبير للناخبين عن المشاركة”.
ويرى محللون سياسيون أن المغرب يشهد اليوم مرحلة احتضار للأحزاب وموت العمل الحزبي، بعد استمرار الإدارة في توغلها في الشؤون الداخلية للأحزاب منذ الاستقلال، باختراقها وإفساد الحياة السياسية.

يتأمل أستاذ بالتعليم الابتدائي من الرباط، ويقول بأسى واضح: “أين راح الزمن القريب وولى؟ عندما كانت أحزاب المعارضة أحزابا حقيقية، أين مضت قوى المعارضة التي كانت تعمل في اتجاه إنجاز “استراتيجية البناء الديمقراطي، وتقدر جسامة الأمانة التاريخية، بأبعادها السياسية والمجتمعية والحضارية والأخلاقية الملقاة على عاتق مناضليها قيادة وقواعد”.

ويسترجع مناضل سابق في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبارات وجمل اختفت اليوم من قواميس اللغة الحزبية والسياسية في المغرب، مثل: “الاحتجاج ضد “التحالف الإداري المصالحي الاستغلالي”، و”الاحتجاج ضد سياسة العبث”، و”إجهاض آمال الشعب في التغيير الديمقراطي”، و”بناء مؤسسات تمثيلية تحظى بالمصداقية وتعكس الإرادة الحرة للأمة”، و”اصطناع الخريطة النيابية”، و”الحزب السري” المسؤول عن التزوير وإفساد الحياة السياسية، والقصد وزارة الداخلية. هو “الحزب السري” الذي تحول إلى قوة مضادة للشعب، و”عائقا عنيدا ضد إرادة الأمة في التحول الديمقراطي والإصلاح الشمولي المنشود”، والانتخابات “المخدومة” حسب تعبير للراحل امحمد بوستة زعيم حزب الاستقلال.

إن هذه الممارسات التي كافحتها المعارضة في العقود الماضية لتشويهها لحقائق الوضع السياسي بالبلاد وتقويضها للديمقراطية، وبالتالي إضعاف للمؤسسات المنتخبة، هي من أدت بالبلاد اليوم إلى ما وصلت إليه من أزمات خطيرة وعوائق مزمنة.

يستدرك محامٍ ليؤكد أن الكارثة هي تدجين حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية واستقطابه تحت لواء “الحزب السري”، أو أن “الحزب السري” هو من نجح في ضمان تبعية الحزب المعارض الراديكالي الذي كان. وانتهى الكلام”.

منذ الاستقلال والانتخابات في المغرب تعرف تدخلا سافرا من السلطات، في السنوات السابقة كان التدخل مروعا تستخدم فيه أساليب العنف والتهديد، وخطف صناديق التصويت، ومشاركة الموتى بأعداد كبيرة في العملية الانتخابية، والتصويت المتكرر، والتقطيع الانتخابي المدروس، واللجوء إلى “المال الحرام”، ثم تطورت الأمور لتصبح آلية التزوير متقدمة في فن التلاعب بالإرادة الشعبية، وصارت نتائج الانتخابات تزور بأشهر قبل موعد الاستحقاق، وبعد أن أصبحت الصناديق من زجاج، تم تأميم الشفافية كلها للصناديق، والعتمة لباقي العملية الانتخابية. 

لم تعد للمعارضة القدرة على جعل الانتخابات لحظة قوية وبُؤرة للتدافع والصراع السياسي، لأنه لم تعد هناك معارضة حقيقية. وصار التعايش والتطبيع مع الفساد الانتخابي أمرا عاديا. لذلك لم يعد سرا أن يصبح المواطنون يربطون بين الانتخابات وفسادها.

لا يتم فقط استعمال المال الحرام بكثافة في الانتخابات، بل الأخطر هو استغلال الخطاب الديني وتضليل الناس البسطاء. ولا يتردد الإسلاميون في الزعم أن حزبهم هو هبة إلهية لإنقاذ المجتمع من الأضاليل واتقاء غضب الله.

ورغم أن تقارير أممية عدة وضعت الأصبع على الجرح وأشارت بوضوح إلى مخاطر التدهور والفساد بالبلاد، الأمر الذي أكدته تقارير ودراسات ميدانية وطنية، منها “تقرير الخمسينية” المنجز بمناسبة 50 سنة على الاستقلال، إلى أن المداد ظل سائلا قابلا للمحو والبهات.

مع وصول الاشتراكيين إلى حكومة التناوب أو التوافق (1998)، أخذت الحماسة بالقيادي الاشتراكي السابق محمد اليازغي ليعلن في مقال نشر بجريدة حزبه عن نهاية مرحلة ثقيلة وبداية أخرى جديدة. واختار عنوان مثيرا: “مات المخزن”، أي النظام السلطوي العتيق، وتبين أن من أصابته سكرات الموت ولفظته هي قوى المعارضة التي كان حزبه يتزعمها باسم قوى التغيير والتقدم. أما “المخزن” فقد تجدد ومسح الغبار عن خيوط التحريك التي يحرك بها اللعبة الكراكوزية في مشهد جد قاس. فجميع التنظيمات السياسية تسعى لخدمة النظام العتيق، بلغة منمقة وشعارات حديثة. وها هو إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، في برنامج تلفزيوني يرد على وزير خاطبه بأنه ينتمي لحكومة صاحب الجلالة، ليتفاخر أنه أيضا من حزب “المعارضة دْيَالْ صاحب الجلالة”، أي معارضة يملكها صاحب الجلالة. “وما فيش حد أحسن من حد”. صار مألوفا أن نسمع من زعماء أحزاب آخرين إنهم يناضلون وفق برنامج صاحب الجلالة!!!

هكذا عندما ظهر ” تقرير الخمسينية” اعتبره حزب الأصالة والمعاصرة برنامجه السياسي الذي أنشئ من أجله. واليوم بعد صدور “البرنامج التنموي الجديد” الذي أنجز تحت إشراف وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى، صارت جميع الأحزاب تتبارى لتقول إنها الأفضل من أجل تنزيل البرنامج، ما دام هو برنامج الملك. واعتبر الملياردير عزيز أخنوش المسيطر على سوق المحروقات في المغرب، أن حزبه قادر على تنزيل النموذج التنموي “الذي جاء به الملك”، معتبرا أن حزب التجمع وجد نفسه في هذا المشروع الكبير. وللإشارة فإن الحزب الذي يرأسه أخنوش تورط في ما يعرف بفضيحة العمل الخيري لغايات انتخابية في رمضان الأخير، حيث توصل المستفيدون مع قفة رمضان ببطاقة الانخراط في حزب التجمع الوطني للأحرار من غير أن يطلبونها. وهو ما انتقده الرأي العام.

سبق للأستاذ حسن طارق، برلماني سابق وسفير المغرب حاليا بتونس، أن أكد أن “النُّخبُ السياسية المغربية أكثر فسادا من المجتمع”، مشيرا إلى تعقّد إشكالية الفساد السياسي في الظاهرة الانتخابية وصعوبة مُحاصرته بآليات قانونية، لكونها ذاتَ طبيعة سوسيولوجية “. 

وما تمت ملاحظته حول انتخابات هذا العام هو خفوت النقاش السياسي حد الغياب. بخلاف الاستحقاقات السابقة، عندما أصدر مجموعة من المثقفين، يتقدمهم الشاعر عبد اللطيف اللعبي، “نداء من أجل ميثاق ديمقراطي” للتحذير من الظلامية والتطرف، من أجل “الحُلُمَ بمجتمعٍ جديد تسوده العدالة والحرية، والعقلنة والعقلانية، وتسودُه درجة من درجات التَّحديث”، لكن هذا النداء ظل بلا صدى وبلا أثر يذكر. فالخريطة السياسية تميعت أكثر، وبورصة الترحال السياسي للمرشحين مفتوحة، مثل تنقلات “الميركاتو” الشتوي والصيفي في كرة القدم. والرشوة والمال والتجاوزات الإدارية في نشاط. أما الدعوة إلى المشاركة لهزم الإسلاميين فتجد الرد عليها من شاب بكلية الطب بالدار البيضاء: “… هذا الخطاب السياسي مضلل، لا يتجاوز سطحية الخطاب الانتخابي، وكأن باقي الأحزاب الأخرى أقل فسادا وانتهازية من الإسلاميين… كلهم أصابع مجتمعة في كف واحدة”.

www.achawari.com


 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد