طلحة جبريل وأنا وصحافة الورق وقيادات الكارطون المقوى

أحمد الـــجَلالي

في شريط فيديو قصير على قناته الخاصة حدد الصحافي والكاتب طلحة جبريل مواطن الداء والأمل لحاضر ومستقبل الصحافة الورقية ووضع مشرط النقد على قضية “مؤلمة” لبعضهم: إنها القيادات التحريرية.

وقد وجدت من الواجب التنويه برأي أستاذي في المهنة والدعوة إلى متابعة قناته التي ليس لها ،حتى الآن،من عدد الزوار والمشتركين ما يتناسب مع مضمونها وقامة صاحبها في المهنة.ربما لأنها جديدة أو ربما لأنها تستهدف النخبة.

كما وجدت من المهم إلقاء مزيد من الضور الكاشف على قضية القيادات التحريرية سواء بالمغرب أو في الوطن العربي.

بداية، في المغرب لم أقرأ يوما إعلانا يبحث عن “رئيس تحرير” سواء عند إطلاق المشاريع الإعلامية أو خلال وجودها على قيد الطباعة والنشر.

ماذا يعني هذا؟

لا يعني سوى شيء وحيد: “رئيس التحرير” معد سلفا وعلى مقاس صاحب الرأسمال أو المساهم الأقوى فيه أو الجهة التي تحتضنه.

وهي حقيقة لا يمكن الهروب منها أو القفز فوقها. وبرغم أن رئيس التحرير هو روح الفريق والمايسترو المفترض لضبط إيقاع المجموعة والمسؤول عن منع النشاز، وعلى أنف مركزية هذا المسؤول وخطورته  ما يقتضي أن يكون هناك حرص على استقطابه بمعايير مهنية صارمة وعلمية، رغم هذا فلا شيء نراه من هذا.

إنهم يريدون ويفضلون “شخصا” على المقاس، ويستحسن أن يكون طيعا، لا يتوفر على ما يكفي من الموهبة ولا الثقافة ولا التكوين ولا المواقف والقناعات التي تتقاطع حتما من العمل الصحافي.

إنهم يريدون، ويصرون على أن يكون من ذوي الشعور بالنقص الذي يعوضه باللقب وبالمكتب المريح والسكرتيرة و الأجر المنتفخ حد التورم…وسلطة متوهمة على “غلابة” جاءت بهم ظروف الخبز القاهرة وضرورات الحياة ليكونوا تحت إمرته.

إنهم يعرفون بالضبط من يريدون ومواصفاته فلا هو بذي الشخصية الصلبة ولا الثقافة الواسعة، ولا من يحوز قدرا هائلا من الكرامة الإنسانية والاعتداد بالنفس…كل هذا “لا يسلكهم”. والذي “يسلكهم” هو أن يكون الموظف المحدد/المطلوب ذاك الذي يقضي كثيرا من الأمور المهنية بتركها…هكذا ببساطة.

أعرف كثيرا من هذه “القيادات العجيبة” سواء بالمغرب أو بالوطن العربي. صحيح هناك استثناءات، لكن ما “يزخر” به سوق الصحافة على امتداد الرقعة الجغرافية سالفة الذكر هو الصنف سالف الوصف.

وكما للصنف الأول المشاع ميزاته فإن لأقلية الأقليات من المهنيين الحقيقيين ملامح مشتركة في ما بينهم. ولعل الرابط الأهم بين المنتمين للعينة النادرة من أبناء المهنة لا من لقطائها هي: عدم الاستقرار المهني وكثرة التنقلات بين المؤسسات والفشل الاجتماعي لأسباب مادية والديون والفقر والأمراض المزمنة.

كما يتم “تمتيع” العينة النفيسة هذه بسيرة مهنية دون علمها. وبخلاف ما يوجد في سيرهم الحقيقية من تجارب وخبرات وشهادات تكوين وميزات مهنية وشخصية فإن أصحاب الحسنات من قبيلة الصحافة، سيما قصار القامات المهنية و ضعاف النفوس، يصنعون لهم “سيفي مضاد” يوزع على نطاق واسع عبر الإشاعة والنميمة والبهتان..والهدف محاصرتهم من كل جانب.

لماذا؟

لأن الضعاف ومن أنزلوا بالمظلات على ساحة الصحافة لا يجدون   لأنفسهم مكانة ــ وتاليا خبزا ــ إلى جانب هذه القامات التي لها شخصيتها وكلمتها وخطوطها شديدة الاحمرار مهنيا وأخلاقيا.

سمحت لي تجربة عقدين ونيف أن أقف على مهازل “القيادات” والاحتكاك بها من قرب، والحكايات كثيرة قد ترى النور في الوقت المناسب ضمن دفتي كتاب.

ومع هذا يمكن أن أسوق لكم قرائي في هذا السياق بعض الأمثلة الصارخة دون ذكر أسماء ولا أمكنة ولا أزمنة:

ــ عرفت “قيادة” بصحيفة دولية وصفه “القيادة” الذي كان بالصحيفة نفسها قبله، وصفه بالحمار وطرح الأدلة الدامغة.

ــ عرفت “قيادة” وأشهد الله أنها أمية إلى درجة الهبل لكن أصحاب المشروع عينوها مديرة مكتب في إحدى أكبر عواصم الدنيا.

ــ أعرف “قيادة” دخل صحيفة كبيرة متدربا، وبقدرة “عبد قادر  ما “صار رئيس تحرير وانتقم شر انتقام سادي من رئيس التحرير الحقيقي الذي دربه سابقا.

ــ أعرف “قيادة” أخرى تسلل إلى صحيفة محترمة وقد بدأ المشوار بالاستيلاء على مواد المراسلين ووضع اسمه الأجرب عليها..ثم صار رئيس تحرير ومكت بها حقبة طويلة ظن معها الناس  أنه  مالك الصحيفة.

ــ أعرف “قيادات” ووصلتني في مواقع مررت بها كتاباتهم وهي “خام” وقد انصدمت فعلا من كم الركاكة والأخطاء فيها وأتعبوا بصري في محاولاتي المضنية لجعلها مقروءة..هم أنفسهم من أراهم زبناء دائمين في القنوات ولا يشار إلى أسمائهم إلا مقرونة بصفات الأستاذ والدكتور..حينها أضحك بمرارة وأضرب كفا بكف أسى مني على الدرك الذي أصلونا إليه.

عزيزي الأستاذ طلحة جبريل: سقى الله سنوات التألق والاقتراحات والتشجيع على الإبداع والاستقصاء وصنع المواهب و”الفريق الناجح الذي لا يستبدل”…إني أشم اللحظة رائحة الغليون مع “لبتون” في الطابق الثالث من تلك البناية بذلك الشارع في تلك المدينة. إني أراني متأبطا آلة التسجيل “صوني” ومحفظتي وميزانية تنقل..في طريقي إلى مجاهل أقاصي المغرب..لأسافر طويلا و “أتيه بين المقاهي” وأشرب كثيرا من كاسات الشاي بالصحراء لكي أعود..فأكتب كثيرا. سلمت

www.achawari.com

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد