المزايدة على وزير الداخلية لن تعيد الروح لصحافة اسألوها: بأي ذنب قتلت؟

 أحمـــد الجــــلالي

بعد قرار وزير الداخلية بالسماح فقط للإعلام العمومي والإذاعات الخاصة بالتنقل ليلا للعمل الصحافي الميداني، في ظل قانون الطوارئ الصحية،عبر بلاغ واضح لا لبس فيه،استفاقت نقابة الصحافة والمحسوبون عليها، لتمارس رياضتها المفضلة وهي رد الفعل لا الفعل المبني على المعقول.

قبل مناقشة ردود الأفعال، يجب أن نتأمل قرار الداخلية وتقرأه رسائله غير المشفرة:

أولاـ الاعتماد على الإعلام العمومي بالأساس، في ظرف استثنائي،   لنقل المعلومة،ومنع ما سواه لأنه ــ بلسان الحال ــ ليس مقنعا للجهات الرسمية ولا يعتمد عليه.

ثانياــ الدوس والدعس على أسطورة “التنظيم الذاتي للمهنة” في شخص مجلس الصحافة الذي تعرف الدولة أكثر من غيرها مطبخه و طباخيه ونوع الطنجرات المستخدمة في موائده ذات الوجبات التي لم يهضمها قطاع واسع من المهنيين، بله أن يمر بسلام في أمعاء السلطة.

ثالثا ـ مدير وكالة المغرب العربي للأنباء،الذي لا يقرر من عنديته،اصدر بطائق مهنية خاصة بمؤسسته، لأنه يدري ويدري من هم أعلى منه أن قبيلة “التنظيم الذاتي” مزحة مبكية يستحسن “ما تشاورها ما دير بريها”.

رابعاـ أننا في حالة الطواريء وهي حرب بصيغة أخرى، وفي اللحظات الحاسمة الخطيرة يعتمد على الصحيح ويترك “الراشي”.

 ولأن هذه الجائحة لها حسنات من بينها كشف مناطق الأوبئة في جسم وطننا بمختلف مؤسساته، فقد تبين وبلا مواربة أن الدولة يمكن أن تساير أو تتظاهر كأنها لا تمانع سلوكات معينة لمؤسسات وأشخاص معينين، ولكن حين يحين مؤعد الجد أو قطع الرؤوس ترفع شعار: البقاء للدولة البقاء للأصلح.

لكن المعتاشين على رد الفعل في أفق رد الصرف وديمومة “التمثيلية” لا يمكن أن يهضموا هذه الحقنة بلا صراخ. وقد كان أول صوت صرخ هو نقابة الصحافة، التي تجاوز عمرها نصف قرن ولم تنضج كباقي اتحادات الصحافة بالعالم.

فقد أصدرت النقابة بلاغا تقليديا،من باب رفع العتب، قالت فيه إنها تأمل

“أن تتم الاستجابة بمراجعته بما يسمح للصحفيين الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية من ممارسة مهامهم، ومواصلة معركتهم الخاصة في مواجهة هذه الجائحة، ومن ضمنها ممارسة فعلية للسلطة الرابعة في مراقبة ما تقوم به باقي السلط ونقل الحقيقة بعيدا عن طوفان الإشاعة”.

يجب التوقف قليلا عند هذه الفقرة عبر تفعيل مفهوم المخالفة الذي يمر عليه قليلو الفطنة مرور اللئام، ويدركه العارفون بالعقلية الحزبوية المتحكمة في النقابة، التواقة إلى ممارسة “السلطة” رغم زعمها الوقوف ضد تعسف السلطة:

ــ يقولون للسلطة بلسان الحال: نحن أيضا سلطة ونحن مقاطعة فيها قايد يصدر البطاقة المهنية، وهي المحدد الرئيس للعمل.

ــ يريدون للصحافيين ــ بتعريفهم ــ الاستمرار في “معركتهم الخاصة”، وكأن بالمغرب حروبا طائفيه ولكل قطاع معركة وأمراء حرب..إنه عقل باطن يتنفس.   

 ــ يتابكون على حرمان ” السلطة الرابعة في مراقبة ما تقوم به باقي السلط ونقل الحقيقة بعيدا عن طوفان الإشاعة”..لاحظوا التشديد على قضية “السلطة” مرة أخرى. أما طوفان الإشاعة فهو اعتراف منكم بأن نصف قرن وأنتم ممسكون بالعمل الصحافي من تلابيبه ــ ثم أنجبتم مجلسا كسيحا ـ ولم يسفر كل هذا سوى عن مشهد مصبوغ بكل ألوان الإشاعة..هنيئا.

 ولأن الأمر لا بد أن يسير بتناغم بين ضفاف الوادي، فقد تداعت أصوات أصحاب المناحات، ليس على قرار الوزير لفتيت، بل في العمق، على زمن الكاغيط الذي دفنته كورونا، وعلى ميزانيات الريع في جلباب دعم الصحف.

ونسجل هنا صوتا يبكي السامعين من ضمن حضور جنازة مهنة والسائرين بها إلى متواها الأخير، صوت نور الدين مفتاح، صاحب “الأيام” الزينة لي مشات ما تولي،والذي “عيب” على وزير الداخلية في افتتاحية كتب فيها أنه

لا يمكن في دولة الحق والقانون أن يتحول وزير الداخلية إلى رئيس تحرير للصحف، فدور الصحافة هو مساءلتكم في زمن السلم كما في زمن الحرب على الوباء، وكل منع للصحافيين أو لصنف منهم بدعوى الطوارئ هو اعتداء على حرية الصحافة وإهانة للجسم الصحافي.

لقد ولى عهد الجمع بين وزارتي الداخلية والإعلام والسلام”.

سي مفتاح، الذي يجب أن يولى القهقرى ليس هو عهد الجمع بين الداخلية والإعلام، وحتى إن ولى إسميا ففي المغرب وبكل الكرة الأرضية كان وسيبقى دوما إعلام تابع للدولة، وليست الداخلية سوى ذراع لتنفيذ وإنفاذ قرارات الدولة، ومن ضمنها سياسة إعلامية من حقنا انتقاذها ورفضها، لكنها أمر واقع.

زميلي، ما ينبغي أن يولى ليس الجمع بل “الجماع الحرام” بين صفات التنافي القانوني والأخلاقي في المؤسسات، ومن ضمنها مجلس صحافة أنت عضو فيه وتعلم أنه كائن “شلو لو”

زميلي، ما يجب أن يولي هو الزمن الذي يصير في الريع حقا مكتسبا ومن ضمنه ملايير تصرف لإعلام لا يسمكن ولا يغني تارة باسم دعم حق التعبير وأخرى من أجل “تأطير المواطن” وغالبا من “غير ليه”

زميلي، لقد وقت على شيكات سمان باسم فدرالية الناشرين وقد اغتنى منها قوم تعرفهم، فماذا نال منها الصحافيون الكادحون الذين تتباكى باسمهم اليوم؟ إنهم يئنون تحت نير الفقر و المرض والعمل المضني والقهر والخوف من “مول الشي”.

زميلي، القضية ليست تنقلا بالليل ولا بالنهار ولا بمرحلة هي استثناء على كل حال، القضية هي ترنح ما قبل الانقراض.

زميلي، أقدر شخصك ككاتب افتتاحيات أتابعها، لكني لا أستطيع أن اجاملك بالنفاق أو الصمت الجبان المتواطئ.

سقطت الأقنعة كلها.

والحمد لله رب العالمين.

 

www.achawari.com

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد