“يوميات كورونا”..الحلقة 4: الطيب المسكيني..”طبيب” قهر النكبة..خريج الحياة الصعبة

أحمد الجـــلالي

 في هذا الظرف الصعب المليء بالتحديات التي تواجهها الدولة المغربية بكل مؤسساتها ينتصب سؤال التدبير شامخا.

تدبير الأموال/ الميزانية العامة، وتدبير أموال الصندوق الخاص بمكافحة أثار الجائحة، وتدبير المجال وتدبير الكائن البشري، وتدبير الطاقات وتدبير المخزونات كلها.

قرأت الكثير من كتب الاقتصاد ونظريات كبار فقهائه، ولكني أعرف يقينا أن أكبر النظريات وأعقد الفلسفات في جوهرها بسيطة كمعادلة.

على هذا المستوى أتذكر ما تيسر من الرياضيات التي درسونا إياها على شكل طلاسم ورموز فقط، ولا أنسى لا بيداغوجيا كثير من الأساتذة: لم يقولوا لنا ما فائدة تلك المعادلات ولا المقصود بتسمياتها ولا فيم ستفيدنا.

اتبع ما يكتبه المدرس ولف معها حيث لفت ونل معدلا معامله هو ستة. لقد جهلونا بطريقة غير رياضية ولا عقلانية.

استحضر درس الرياضيات لأنه العلم الوحيد الذي يلخص ويضغط كثيرا من الكلام في معادلة، وأستحضره مرة أخرى لأن له صلة بشخص قال لي يوما إن ما ندرسه من رياضيات أهم ما فيه الأضلع الأربعة: ناقص، زائد، ضرب وقسمة.

هذا ما نحتاجه عمليا في حياتنا المهنية مهما علت وظائفنا أو مهامنا الوظيفية، أليس كذلك؟

صاحب هذا الرأي ولد رجل اقتصاد حتى قبل أن يذهب إلى المدرسة والجامعة..إنه واحد من عموم الشعب المغربي، ابن فلاح علمته ظروف الحياة كيف ينتج وكيف يوزع ما بين يديه على الزمن، كيف يقتصد ويوفر من لا شيء تقريبا.

المواطن الطيب المسكيني بنعاشر، شاب غرباوي اصيل، درس كباقي أقرانه في الابتدائي، قطع المسافات الطويلة ذهابا وإيابا حتى انهى السلك الابتدائي ثم عرج على الإعدادي والثانوي ثم التحق بالجامعة.

وخلال هذا المشوار المتعب واجه صعابا معيشية شديدة: كان له جفافه الذي عليه مواجهته، وكان في طريقه قدر غير يسير من الاشواك ذات الصلة بالمال وظروف العيش.. أو ظروف البقاء على قيد الحياة.

غير أنه دخل معترك طالب آفاقي بمدينة كبيرة مسلحا بنظريات مستقاة من واقع الحياة: في صباه كان يوفر ريالات قليلة حتى يكون منها ثروة صغيرة، وفي طفولته المبكرة كان له ــ خلافا لمن في سنه ــ دوما زاد وفره بطريقة ما.

وحين اصبح مراهقا كان يتصرف في ميزانيته بمنطق وميزان رب أسرة بحيث يتحكم في اندفاعه نحو جيبه إلا للضرورة الملحة،وعلى هذا الدرب سار وربي نفسه ومن معه.

وفي المرحلة الجامعية، ومن منحة يتيمة، كان يتوفق في استئجار غرفه وسد الرمق..وفي نهاية العام الجامعي كان يوفر نسبة مهمة من آخر منحة. وبهذا الأسلوب كان يستحق شهادة التدبير لأنه سير حياة دراسته رفقة إخوته وأقاربه.

نظم الموارد القليلة بانضباط بحيث منع الجوع بسقف من التقشف والتحايل على ضيق ذات اليد. ومرت السنوات إلى أن انتهت المرحلة وأصبح رجلا.

وقد اختار له قدره مهنة بنكي مكلف بالقروض الصغرى فوجد نفسه أمام تحد له علاقة بالمال والتدبير والتقدير وحسن التصرف، وكانت مسيرة موفقة خطها بعرقه وعزمه إلى أن كسب الرهان وفرض أسلوبه في التعامل المهني والوصول إلى النتائج المرجوة.

يجر وراء اليوم تجربة تفوق العقد، ولو  تفرغ لكتابة سيرته المهنية فستكون بلا شك دليلا للراغبين في النجاح ممن يشقون طريقهم في العمل أو إنجاح المشاريع الصغرى.

أتذكر الطيب، وهو طيب فعلا، في ظروف بلادنا الراهنة، وأجزم أن لو أتيحت له فرصة تسيير أكبر لرأيتم منه العجب العجاب.سيكون عليها أمينا خدوما شديد الحرص، ولن يضع درهما في مكان ما إلا بعد تمحيص وضمان أن الدرهم سيلد نصفه أو يسد حاجة ضرورية.

بلا شك، لو طبق طريقة الطيب في التدبير لتخلى المغاربة عن كل ما ليس ضروريا وتفرغوا للإنتاج والمعقول.

يقينا، لو كتب له أن يطبق نظرياته الميدانية لفرخ من ميزانية المغرب مشاريع في الصميم ولدفع الناس إلى التوجه رأسا لما ينفعهم.

بكل ثقة أقولها: اعطوا الطيب وكل الطيبين والطيبات في هذا الوطن فرصة يستحقونها أنتم أول المستفيدين من ثمارها.

 لست مازحا ولا مبالغا أبدا، لقد حان وقت فتح الباب للكفاءة وغلق الباب والنوافذ أمام الفاشلين. بهذه الوصفة فقط لن تغرق سفينتنا وسترسو بشاطئ الأمان..في التقويم التاريخي الجديد: ما بعد كورونا.

رصيوا راسكم.

www.achawari.com

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد