أحمد الجــلالي
قبل حوالي 25 سنة، أتذكر أني كنت شرعت في تعاطي السياسة، مثلما بدأت وأصدقاء لي في تعاطي لفافاتنا الأولى من ماركة “ماركيز” الشقراء.
كان للتعاطيين معا بعض الطعم. أو لعلها دهشة البدايات هي التي جعلتنا نضفي تلك اللذة على “السياسة” في قلب الجامعة، و على “بلية الدخان” بين شفاهنا المتعطشة لكل شيء.
ومن طرائف ذلك الزمن المر، والذي يا للغرابة يبدو اليوم ألذ ماض عشناه، أني تطلعت إلى تأسيس حزب سياسي ليكون الهيئة السياسية الأكثر استقطابا للمغاربة.
بحثت في ما يمكن أن يجمع الناس جميعا، بصرف النظر عن الانتماء العرقي أو الجغرافي أو ما شاكل.
خمنت بشبه اقتناع أن “حزبي” لابد أن يقطع من الإيديلوجيا ويؤسس لـ”المعقول”، وكان هذا المعقول المشترك هو “الغريزة” المختصرة في حب البقاء عبر الأكل والجنس. فلمعت تلك العبارة في ذهني “حزب النكاح الوطني”،أي والله هكذا نشرتها بيسر وسلاسة بين أفراد دائرة الأصدقاء المقربين. وزردت في التفاصيل ذلك المشروع السياسي الجبار الشعار التالي:إشباع البطن والفرج غايتنا.
وبعد عقد ونصف من ذلك الزمن طرحت أرضية لتأسيس حزب شبابي تعلمت من خلالها الشيء الكثير.
بقيت المبادرة رهن الشعارات المسطرة فيها تبحر في محيط “غوغل” وانصرفت أنا إلى أمور الحياة.
ولكم سعدت أمس لما اطلعت على خبر إنشاء حزب مغربي يحمل اسم الحب العالمي.
من جهة، قلت لنفسي إن “تنظيري” السابق لم يذهب سدى، على الأقل طلع على المغاربة من يحمل مشعل “الحب” الذي يعني للأغلبية الساحقة من بني جلدتنا الجنس/النكاح..شئنا أم أبينا. لكني تساءلت لماذا اضافوا إليه صبغة “العالمي”، لو استشاروني لاقترحت “حزب الحب” وكفى.
وبالقدر الذي سعدت بهذا التفكير خارج الصندوق المحنط للسياسة، استغربت موجه السخرية من هذه المبادرة، وكأننا نعاني فائضا في الحب بين أفراد الشعب الذين يشرملون بعضهم البعض يوميا.
في بريطانيا يراس المناضل جورج غالاوي حزب “الاحترام” ويعامل هو وحزبه بكل احترام.
ولقد سألت غالاوي مرة في ساحة “ترافلغار سكوير” عن سبب التسمية فقال لي بلا تردد لأن هذه البلاد تفتقر إلى الاحترام، فعقبت عليه في نفسي:” آه يا جورج علم الله اي اسم كنت ستختار لحزبك لو قدر عليك أن تكون مغربيا مثلي؟
قبيل فترة عيد الأضحى وبعدها بأيام خلدت للراحة وتقصدت تعاطي أقصى أنواع الكسل والارتخاء. وبما أن الأسرة ما شاء الله لا تؤمن بتنظيم الإنجاب فقد سعدت باستقبال فوج الجيل الجديد لآل الجلالي والذين يعول عليهم لحمل مشعل هذا الإسم الذي اختلطت فيه روائح الكلمة الموروثة بعبق الأرض والزراعة التي تسري في دمائنا.
عشت أحلى اللحظات محاطا بالبراءة بين بثينة و آية وأمير وزياد. أربعة ملائكة تدغدغ جوانحك وتحملك على تأمل الحياة في بداياتها وتحرضك أيضا على صناعة الأمل من أجل الغد.
وليلة البارحة فقط تساءلت بجد عن ملامح الغد الذي سيعيشه بعدي أولئك الأطفال الذين حدثتكم عنهم بالاسماء.
فقد حررت تحت وقع الدهشة والصدمة خبرا لهذا الموقع عن مطالبة الزفزافي ورفاقه بإسقاط الجنسية المغربية عنهم وخلع رابط البيعة من أعناقهم.
وحتى بعد نشر هذا الخبر، كنت في لا وعيي أتمنى أن يكون الخبر مجرد كذبة سيكون الاعتذار عن نشرها عندي أقل مرارة من تجرعها كحقيقية.
يقيني أنه اليأس والإحباط اللذين حملا الشباب على هذه الخطوة. لأني الذي تسري فيه دماء الثائر الخطابي يستحيل أن يكفر بالوطن.
صحيح أن الذي يده في النار ليس كمن وضعت يده في الماء البارد ولا أريد أن أزايد على أحد، ولكن قرارا جريئا ما يجب أن يتخذ من قبل صناع القرار، ليس عن طريق لي الذراع، ولكن نتيجة تفكير يغل مصلحة البلاد على الباقي.
قبل أن نحكم على الناس ــ دولة ورأهل ريف ـ يجب أن نضع أنفسنا مكانهم، كي نكون موضوعيين.
وفي كل الأحوال ما صارت إليه الأمور تضرر منه المعتقلون وأهاليهم مثلما تأذت منه الدولة في الداخل والخارج. والخاسر الأكبر هو المستقبل.
ومن مفارقات بلادي أن الشعب صار يفرح لحدوث الزلازل ويسمي راقصاته المفضلات باسم الكوارث الطبيعية.
روح التشفي والرغبة في الانتقام تملأ الحواري والساحات والصدور والسطور. فما الذي يجري حقا في هذا المغرب؟
عدم الثقة في النفس وفي الآخرين أفرادا ومؤسسات هو الإنذار الذي يجب أن نتعامل معه بأقصى درجات الجدية لأنه يدلنا بوضوح على طبيعة الآتي..الآتي إلينا ولهذا المغرب الذي لا يعني شيئا من دون مواطنيه.
منسوب الجرأة ارتفع، وهو مثل مياه الفيضانات مليئة بالخصوبة للأرض لكنها تحمل بين أمواجها عوامل السيول المدمرة.
هذا السيف ذو الحدين الخطرين هو شباب المغرب..على الدولة والنخب وكل مسؤول، حيثما كان، أن يشجعهم على العمل ويصنع لهم عوامل الأمل، لا أن يخلق لهم الظروف التي تدفعهم للكفر بالحياة..وليس الكفر بالهوية سوى مقدمة مرعبة لما هو آت، إن لم تحدث الانعطافة التاريخية وبسرعة.
www.achawari.com