رغم “رواء مكة”..أوريد لن “يتأسلم”..أيها المتوجسون

أحمد الجـــلالي

من الناس من خلق وهو في علم القدر ابن ضربات الحظ والتيسير، ومن بني آدم مذ أن صرخ صرخة الوضع قال معها: يا ويلتي ثم بكى.

صاحب “رواء مكة” من الصنف الأول من خلق الله في هذا الكوكب الجميل المتناقض. فحسن أوريد، الذي أفضل أن أتحدث عنه دوما ــ وهذه المرة الأولى التي أكتب عنه ــ بصفاته المتداخلة: فأوريد الكاتب هو نفسه ابن تافيلالت هو ذاته ابن دار المخزن هو عينه زميل ولي العهد في الدراسة..وهو الناطق الرسمي سابقا والمؤرخ..والوالي رجل السلطة.

ولأن حسن حسن الحظ فقد كان من بين من ساقهم القدر ليدرسوا في المدرسة المولوية ويستفيد من أحسن مناهج وإمكانات التكوين علميا وشخصيا..وإلا فبتافيلالت على الأقل من ولدوا قبله أو معه أو بعده يفوقونه مواهب وقدرات عقلية، ومع ذلك ستجد أفضلهم نصيبا في دنيا الناس هذه موظف بسيط أو تاجر أبسط.

ولأن حسن حسن الطالع فقد تنقل بين المناصب والمواقع من القارة الأمريكية إلى جهة تافيلالت مرورا بدار المخزن التي طالما افتخر بها ولم ينكر فضلها عليه، وفي كل منصب تجربة تغني زاده وعلاقات قوية تنسج وتتشابك وشخصية تنضج أكثر فأكثر.

ولأن حسن جميل الحظ أيضا، فقد كتب له أن يغادر المربع الصعب والخطير للسلطة ولا أسمية “المربع الذهبي” باقل الخسائر إن وجدت، وها هو ينعم بما يتمنى أي رجل سلطة أن يناله: الحرية منضافة إلى المكانة والتاريخ الحافل..هاهو أوريد يتحدث بحرية أوسع و يتنقل من منشط ثقافي إلى آخر بفرح طفولي أصيل لا يخفى.

ولأن حسن باهر الحظ “كمان وكمان” فقد وجد قبل أيام من يتكفل له بدعاية قوية ومجانية لواحد من إصداراته وهي مؤلف “رواء مكة”.وبصرف النظر عن كيف رد أوريد على تصريحات القيادي في حزب العدالة والتنمية، المقريء أبو زيد، فلا بد أن يكون أوريد فرحا جذلانا بهذه الدفعة النازلة من السماء على “مرضي الوالدين” حسن، مع نفحات شهر المكرمات رمضان الفضيل.

اللافت في المغاربة أنهم موسميون بشكل يدعوك  أحيانا إلى الإمساك جيد بعقلك كي لا يطير ويتركك محسوبا على سكان المارستانات، ذلك أن مواطنينا يصبحون بلا سابق إنذار محللين ومتخصصين وجهابذة من الكرة إلى السياسة والعلاقات الدولية والفقة..وحتى الأدب والفيزياء: ها هي “رواء مكة” وجد من يتحدث عنها حتى دون أن يكون قرأها أو قرأ مادة رصينة عنها، وها هو أوريد وجد من يتخوف عليه من شراك الإسلاميين والأصوليين.

لمن يدعون في الأدب معرفة وهم محض كائنات افتراضية أسوق هذه النصيحة: أقرا ثم اقرأ ثم اقرأ..وبعد سنين من التحصيل انظر إلى اين تميل ثم تخصص واصرف أعواما من عمرك في سبيل هذا، وبعدها قل ما لديك للناس وبكل تواضع، كي تزداد معرفة وتحصيل، وفي النهاية أتحفنا بحكمك على أوريد أو المقريء الذي يلتهم الكتب طوال عمره كما يلتهم الصبي الشره قطع الحلوى.

ولمن أزعجهم هذا “التوجه” الأوريدي المتوهم نحو “تاإسلاميت” فقط لأن الرجل المسلم أصلا وأبا عن جد وابن الأسرة المحافظة، تحدث بمشاعر صادقة عن مكة وأقدس الأماكن عند المسلمين، وكل ذلك في قالب أدبي رفيع، نظرا لتمكن الرجل من أدواته ككاتب محترف.

وإن كان من حقنا أن نسألهم ما العيب والخطر في كل هذا؟ فدعنا نسبق عليه الطمأنة التي هم لها ظامئون. أيها المتوجسون “كونوا هانيين” الرجل لن “يتخونج”..لماذا؟

ــ أولا، لأن ابن دار المخزن الحقيقي يخضع للقاء في الوعي يحميه طيلة حياته من كل انحراف في المنهج، والضامن في ذلك اخلاق رجل الدولة الذي مهما تألق أدبا وفلسفة وتنظيرا يبقى وفيا للنواة الصلبة للدولة والنظام السياسي.

ـ ثانيا، لأن حسن اوريد قبل هذا وذاك، رجل مثقف، فأر كتب حقيقي..ولذا فلا خشية عليه بل الخوف على أنصاف وارباع المثقفين ممن سقطوا سهوا ولغوا على مشهدنا الثقافي والإعلامي والسياسي سقوط الجراد على حقول خضراء فتركتها عصفا مأكولا.

ثالثا، لأن سي حسن الذي قرأت جل ما كتب ولن أقرأ له “رواء مكة” فقط وفاء لعادتي بمقاطعة المنشورات التي تثير ضجة في حينها..وقد أفعل بعد سنوات..ثالثا، أقول لأنه ليس من طينة الشخصيات أو الذهنيات التي يلائمها التحزب..أوريد/ الإنسان لن يرتاح إلا في الوضع والمسار اللذين قادته إليهما اقداره.

هذا تقديري الشخصي لرواء مكة وما أثير حولها  في الآونة الأخيرة من سجال تمنيناه أن يتطور إلى سجال نقدي فكري يعيدنا إلى سالف العصر الأدبي الذي كانت فيه صرخة الناقد مسموعة وصولة المفكر عالية.

وحين تقارن بين المقريء وأوريد من جميع الجوانب ستكتشف ــ بكل حياد وتجرد ـ أن رحم الأم المغربية وولادة ورحم بلادنا خصب: ينتج تنوعا ثقافيا وفكريا وسياسيا يبلغ حد التناقض..وكم هو جميل حين يتفاعل وينتج هذا الثراء..ذلك رواء المغاربة الحقيقي:التنوع والتعايش ضمن مجال قوامه حرية مسؤولة بلا عقد ولا هواجس.

WWW.ACHAWARI.COM

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد