بين رام الله وأريحا..مشاهد يصفها مغربي الدم فلسطيني الروح

أحمد الجلالي: رام الله/أريحا

بعد كل هذه المواقف والمشاهد في أرض عاشت في وفي أسلافي قبل أن آتي إلى هذا العالم، وعززها في الوجدان ما قرأت وسمعت عبر الإذاعات وأنا طفل ثم يافع فشاب، جاءت اللحظة التي ظللت طيلة أيام أستبطؤها: سنغادر فلسطين.

الخروج من رام الله باتجاه الأردن ضمن موكب من السيارات سبق “الفطور الأخير” بالفندق حيث شربت أزيد من فنجان قهوة وكأني أودع مذاق فلسطين فيها، تمهلت في تناول مكونات الوجبة الغنية ومعها حذقت مرارا في وجوه هؤلاء الشباب بالفندق وكلي حسرة أن أغلب الظن لن أراهم مرة أخرى.

التقطت كثيرا من الصور بهاتفي وأكثر منها بكثير خزنته في ذاكرتي.

ودعت من استطعت توديعهم وألقيت بنفسي أسفا في السيارة، وعلى مبعدة كيلومترات قليلة خارج رام الله نقطة تفتيش لابد منها لجيش الاحتلال. يفتشون كل نملة تدخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ثم يعيدون تفتيشها وهي تغادر الأرض المغتصبة.

أسئلة روتينية وفحص جوازات السفر بشكل يبدو معه أن المهم ليس البحث في الهويات لأنهم يعرفون كل شيء عن القادمين، ولكن فقط ليذكروهم وهم يغادرون “أننا هنا”.

كانوا مجموعة عساكر ضمنهم أنثى هي من أخذت جوازاتنا، تحدثت إلينا بإنجليزية مضعضعة فتطوعت لإجابتها بإنجليزية حملتها أصعب ما بقاموسي من كلمات ونطقتها بأعقد ما تعلمته من نبرة سكان لندن. أعجبني حوار الطرشان هذا بين  مغربي زار للمرة الأولى باب المغاربة بالقدس الشريف وهذه “العبرية” ذات الأصول المغربية. نحن المغاربة لا نخفى عن بعضنا مهما تحايلنا.

ذهبت للتشاور مع رهط ممن كانوا معها وغابت عنا دقائق؟ في تلك الأثناء غالبني ما يشبه النوم ولكي استغل وقتي الفلسطيني الثمين دخلت مع “ريتا” في حوار “بناء”..ريثما تعود:

ــ أصلك من أي بلد؟

ــ أنا إسرائيلية

ــ أعرف أنك إسرائيلية بالأوراق، ما هو جذرك بين كل هذه الجذور التي هجمت على هذه الأرض؟

ــ والداي من “موغوكو”..

ــ تقصدين المغرب الأقصى

ــ نعم

ــ وهل أنت راضية على حالك هنا والآن؟

ــ هزت كتفيها فقط وتعرق جبينها ثم ارتبكت قليلا

ــ من الصويرة..غالبا..صح؟

ــ ياس ياس….سوري  إنهم قادمون

ثم فجأة وقفت “ريتا” أمام باب السيارة وناولتني الهويات ومعها لتر من ماء معدني بارد…ومعه “كود باي”.

حملقت في ريتا عبر المرآة ونحن نبتعد عنها وهي تتوارى خلفنا كظل شاحب.

لم يمض وقت طويل حتى وصلنا إلى أريحا..أدنى الأرض حيث غلبت الروم. كان الجو حارا جدا ولكنها حرارة صحية بدت لي كفسحة علاجية تشبه مناخ “مرزوكة” الصحراوي، بالجنوب الشرقي للمغرب في تافيلالت أرض أجدادي.

بالنقطة الحدودية في أريحا سلمت على بعض شباب الأمن الفلسطيني والتقطنا صورا. وتناولت آخر فنجان قهوة فلسطيني ودخنت مع مرافقي الرائعين من حرس الرئاسة آخر سجائر “عربي” وتعانقنا داعين لبعضنا بالخير، راجين اللقاء مجددا في فلسطين أو المغرب.

من أريحا سننطلق بسرعة إلى معبر “اللمبي” المشؤوم لنبدأ إجراءات الخروج نحو الأردن، وفيها حدثت قصص تستحق أن تروى.

www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد