لكي نكون غير منافقين أو أغبياء في أقل تقدير، يجب أن نعترف لأنفسنا أن "قانون: باك صاحبي..وأمك بنتنا وجد بوك من حزبنا" هو "المعمول به" والمفعول فينا مذ حصلنا على الاستقلال وتشكلت بلادنا على هيأة دولة ذات مؤسسات.
الفرق الوحيد في واقعة مصيبة ما حصل في امتحان الأهلية لولوج مهنة البذلة السوداء هو تزامنها مع معطيين: وفرة وسائل التواصل واستوزار وهبي على رأس وزارة العدل.
ولكن قبل أن أدندن بطريقتي أسلوبي طبعا مع من يدندنون وجب علي الترحم بهذه المناسبة على أستاذي في اللغة الفرنسية، الفقيد قاسم لخليفي، والذي على مبعدة اسابيع من نيلي الباكالوريا، سألني عن الشعبة التي سأختار بالجامعة، فقلت بعد قليل تردد: الحقوق. أستاذي الذي كان يعرفني جيدا كمزاج أنقذني من القانون وما يأتي منه حين قال لي كلمة/تقويما حاسما:" أنت تتمتع بالخيال"، وكان يقصد الخيال الأدبي/الإبداعي. ومن لحظتذاك اسقطت إلى الأبد احتمال الدراسات القانونية كتخصص.
ولي حكايات تشيب لها الغربان مع مباريات الوظيفة في بلادي، ومنها واحدة إليكم مختصرها المفيد: تقدمت لمباراة توظيف بمؤسسة إعلامية عمومية هي "لاماب".امتحنونا في ثلاث مواد: الترجمة..وأنا مترجم بأربع لغات..."مشروع الحكم الذاتي" وأنا خبير بملف الصحراء منذ قرابة عقدين ونصف ولي فيه كتاب صدر وبيع بالكامل...والهجرة السرية ولي فيها خبرة وكتاب اسمه "الحراكة الموت لمواجهة الحياة".
تريدون معرفة النتيجة؟ طيب، سقطت أنا..ليس مهما أن أرسب، الأهم أن من بين من "نجحوا" شاب وشابة كانا قبل اشهر محررين متدربين تحت إشرافي أنا.
لنعد إلى المعطيين المستجدين على دار لقمان:
ــ الإنترنت وغزارة وسائط التواصل جعلت من التغطية على ضراط الفساد و"ريحه" غير الطيبة مسألة شبه مستحيلة،إذ انتهى زمن احتكار الجريدة الورقية و "لمطيبعة" وشركة التوزيع. وبفضل الله، صار بمكنة أي طفل يتوفر على هاتف ويمر بالقرب من أي مقهى مزود بالوايفاي أن يقلب حسابات أكبر الفاسدين ويوزع ما يراد التستر عليه عبر العالم في رمشة عين.
ــ وجود وزير يسمى وهبي في قلب هذه "الملحمة"، هو القادم إلى دهاليز وزارة سيادية من أقصى الهامش، ورغم خبراته كمحام اقتحم السياسة إلا أنه يظل ليس "مخزز ولد الحرفة" بما يكفي ليساير الثعالب الشائخة ومسامير الميدة المنغرسين إلى العظم في دواليب مؤسسات الدولة.
نعم أحمله المسؤولية الكاملة في ما وقع بحكم موقعه، ولكني لا أظلمه فأعتبر هذا الذي حصل لم يقع في الأزمنة التي كان فيها وزراء عدل أو غيره قبله. وما زاد طين وهبي بلة هو مزاجه ونوع شخصيته الاندفاعية بشكل طفولي ومتناقضة المواقف حد الانفصام. ويبدو هذا الرجل كمن يكره نفسه، فهو ما أن يخرج من ورطة حتى يضع نفسه في أفدح منها. لعله إدمان السباحة تحت أضواء الإعلام.
قد أصدم قرائي إن صارحتكم بأني كل هذه الفضيحة لم "تقلقني" ليس لأني مع الفساد ولكن ربما لأن جلدي قد "تمسح" ــ من التمساح ــ بحيث صار يتحمل كل أنواع الوخز، من فرط الفساد والتغوط على القانون، الذي نعيش فيه عقودا طويلة، مضطرين للتعايش معه..وكأنه الأصل في ما ينبغي أن تكون عليه الأمور...أمور شعب ووطن.
فإذا كان مطبخ وزارة "العدل" بهذه الروائح يا ناس فما الذي يحتمل أن تكون عليه باقي القطاعات، وكيف يتم اقتسام الغنائم في سراديبها؟ لخيالكم واسع التصور.
لن أجادل في التعليم بكندا ولن أحشر نفسي في المقارنات لأني ببساطة مثل السواد الأعظم من أبناء الهامش لم يكن أبي "لاباس عليه" وحتى لو كان فلم يكن ليرسلني إلى كندا للدراسة، فالـ"كندا" الوحيدة التي سمع بها أبي هي نوع من المحراث الذي كان يحتاجه جرارنا من نوع Fiat 640
والشيء الوحيد الذي علمه أبي عني كتلميذ أني "كنجي اللول ومكينش لي يسبقني" وأن السي العلمي فقيه المسجد أكد له قبل "الابتدائية" بسنوات سرعة حفظي لسور القرآن الكريم..وقد تيقن من الأمر ذات ليلة "صدقة" حين قرأت جماعيا مع "الطلبا" عدة سور وكأني "فقيه" ووجه المرحوم يتلألأ أمامي فرحا مستبشرا بهذه "السكويلة" التي لم تفرط في القرآن. وكل ما شهد به والدي واستغرب له حين ضيفت طالبا أمريكيا في "خيمتنا"، وكنت ساعتها في السلك الثاني الجامعي، كيف أني أتواصل معه بالماريكانية...وكيف أجعله يضحك أو ينتبه و "لي قالها لو كيديرها"..
ولقد انفطر قلبي على المستقبل الوجودي للغة العربية، وأنا خريج شعبتين بلغتين أجنبيتين أي لست معربا، حين اطلعت على بلاغ لـ"الناجحين" في مباراة ما صار يسمى "مهنة المحاباة" وكيف أن من كتبوه يكسرون المبتدأ والخبر معا دون وجود حرف علة يسبقهما..فضلا عن أخطاء إملائية لم يكن اقراني يرتكبونها في السلك الإعدادي.
ولو كان الامتحان اختبارا ولو كانت المباريات استحقاقات للكفاءة لسحبت وزارة التعليم من هؤلاء شهاداتهم كلها وأعادتهم لمحاربة الأمية. إذ كيف لك أن تصير محاميا وأنت لا تعرف أبجديات الصرف والنحو والإملاء..وحروف العلة؟
ولكن الحق على مخربي المدرسة العمومية..لأنهم العلة الحقيقية التي دمرت ميراث بوكماخ وهيأت كل الظروف المناسبة لنشر بوكلاخ.
ولأن البلاغ بالبلاغ يذكر، فقد اطلعت أيضا على ما صدر عن جمعية هيآت المحامين الذين لم يبق لهم سوى اتهام المحتجين بالخيانة العظمى، وفي ظني لو استمر هذا الضغط الشعبي لبضعة أيام أخرى فلن يترددوا في إصدار بيان ثان يتهمون فيه جزائر تبون بحبك مؤامرة خطيرة لزعزعة استقرار المملكة مستغلين "آلة التصحيح" تلك عبر اختراق "سيبيراني" شيطاني.
بعد كل هذا لن أقول لكم أنه "يجب الذي يجب" لأن التجربة الجماعية لنا علمتنا أنهم يفعلون على الدوام كل "الذي لا يجب".
كما أعلن أمامكم عجزي التام عن أي توقع لما سيحدث، ذلكم أن التوقع في المغرب مجازفة لأن بلدنا السعيد هو تلك الرقعة السياسية الوحيدة في العالم التي تفشل فيها التوقعات وتخيب فيها التكهنات.
لأن المخزن كائن عصي عن التوقع والتخمين والتكهن.هذه حقيقية سوسيولوجية ثابتة، وهو كمحارب تاريخي بارع في المراوغة والالتفاف والامتصاص.
وهذا توصيف محايد مني أنا الذي لم ولن أقف يوما بوجه دولتي كخيمة أسطورية تحمينا من العواصف الخارجية ومن شرور أنفسنا أيضا، ولكني سأكون سائرا في ركب المنافقين والخونة إن أغمضت عيني وأغمدت قلمي ولم أندد بالفساد البشع الذي صار يلف أطناب خيمتنا التي ليس لنا بيت غيرها.
أشهدكم بعد خالقي أني قضيت عمري الواعي كله حريصا على أن أكون مواطنا صالحا وسألت نفسي دوما: هل تستحق أنت فعلا هذا المغرب؟
ولكن مع التقدم في السن/الحكمة صرت أخشى أن أطرح قريبا على المغرب هذا السؤال: هل تستحق أمثالي...وهم كثر يا وطني؟
إن من يريدون جعلنا نكره بلادنا هم بلا شك مرضى ساديون يكرهون أنفسهم بلا شك ويريدون نقل العدوى إلينا.
ومن يريدون التعجيل بإدخال الوطن في الحائط سيكوباثيون متعفنون وهم أولى بالعلاج النفسي العاجل.
هي معركة إنضاج وعي قبالة تزييف وعي. وهي معركة زرع يأس مقابل استنبات أمل. وهي حرب ضروس على قيم المغاربة صارت كل أنواع الأسلحة المحرمة أخلاقيا ممكنة فيها.
فلينظر كل واحد منا مع أي الفريقين يقف..ولينظر كل واحد منا إلى حاله غدا....يوم العرض.
www.achawari.com