مونديال قطر..الأهداف الحقيقية التي هزت شباكا غير مرئية

أحمد الـــجـــلالي

بترتيب يفوق الإرادة البشرية رهينة الحسابات، انطلق مونديال قطر ومنه شعت رسائل فاقعة الأهمية وشديدة النصوع تقول لمن أصغى السمع وأمعن النطر: اقرأ ما ورائي وأبشر.

فهذه الأمة العربية والإسلامية العظيمة، والتي لشديد أسفي، قد أدمنت الخيبات منذ قرابة قرن وسيقت في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين لتكفر حتى بمسلماتها ومقدساتها، ومنها الإيمان بالمصير الواحد المشترك، بدت في أجواء هذا العرس الرياضي الكوني، كمن ينفض عن عينيه الغبار ليرى ما لم يكن يبصر.

فقبل أشهر مضت تشكل طوق من العرب ضد قطر من الرياض إلى القاهرة، مرورا بأبي ظبي، أراد خنقها اقتصاديا وعزلها دوليا. وهنا تصرف “العقل العميق” في المغرب ليشذ عن حلف المحاصرين ويبادر لنجدة الأشقاء في قطر.

صورة الحصار العربي للعرب في عز رمضان بشعة وتتطلب عملا متواصلا ومضنيا لكي ينساها جيل القطرين الحالي. ولعل من بشائر الانطلاق في هذا الطريق الصحي ما حصل في افتتاح المونديال: أمير قطر وولي عهد السعودية في المنصة نفسها..ما أبهاكم يا عرب لو بقيتم دائما هكذا ظهرا لظهر وكتفا لكتف في مواجهة عاديا السياسة العالمية.

ونتذكر أيضا الشنآن المغربي القطري وقصة إغلاق مكتب الجزيرة و “شدني نقطع ليك” إعلاميا..ولكن هاهو “الأمير الوالد” وحرمه يلوحان بالعلم الوطني المغربي، في رسالة لا تكفي لشرائها أموال الدنيا شرقا وغربا. الرسالة وإن كانت من أعلى المستويات الرسمية فهي تقول إن الأمة واحدة وستبقى مهما باعدت الجغرافيا بين الأشقاء.

لقد التقت الفرق والجماهير العربية المسلمة لأول مرة لتلعب وتتابع قمة كروية هي الأكبر، لأول مرة فوق أرضها وتحت خيمتها. ولقد تهيأت فرص كثيرة في هذه المناسبة للقاء والتواصل الحضاري بين الإخوة ما فسح المجال مشرعا للتشجيع الجياش، وهي المرة الأولى التي يشعر فيها الغرب/الأمازيغ أنهم “فريق واحد” ممثلا بعدد من المنتخبات القُطرية.

والدليل على قوة هذه اللحمة الشعورية والثقافية والقومية هو الفرح الهستيري الذي سببه الانتصار السعودي المبهر على الأرجنتين التي أتت إلى الدوحة وهي مرشحة على الورق لتفوز بالكأس.

بربكم، ما الذي جعل ازيد من مليار عربي ومسلم يعتبر فريق جزيرة العرب فريقه الوطني بامتياز؟ إنها بلاد الحرمين من قبل ومن بعد. وإن كانت جارها قطر صنعت كل هذا في أول فرصة أتيحت لها فما بالكم بالأخت الأكبر لو استجمعت كل قواها ومقدراتها الاقتصادية والسياسية والروحية كمركز للأمة؟ بكلمة، لو حصل هذا وبالطريقة الصحيحة سيتغير مجرى التاريخ.

ومن حسنات مونديال قطر أن بسط أمام العالم صورة أخرى مناقضة تماما لما رسمه الإعلام الغربي عن الإنسان العربي والخليجي تحديدا من صور نمطية تحقيرية. لكن اليوم في قطر والآن تنقصل ملايين الصور التصحيحية لما ترسب في أذهان سكان الكرة الأرضية.

وفضلا عن الملاعب المبهرة والتنظيم العقلاني المحكم، فقد لامسنا تخطيطا ذكيا يشتغل كخيط ناظم لفرصة صيغت أهدافها وخيطت تفاصيلها لتخدم أهدافا استراتيجية تتجاوز حدود قطر الجغرافيا إلى النسيج العربي والإسلامي.

قطر ذات قصب السبق في الحروب الإعلامية عبر “الجزيرة” وأخواتها لم تعدم حيلة للنزول بقوة في معركة “ماركوتينغ سياسي وثقافي” مستغلة أوسع سوق سيمتد أربعة أسابيع كلها وقت ذروة للعرض فالبيع ثم الكسب طويل الأمد على أصعدة سياسية وثقافية دينية ونفسية وتأثيرية.

ترتيب توقيت المباريات ما بين أوقات الصلوات تخطيط ذكي ومتعوب عليه. استقدام أشهر الدعاة وبكل اللغات الحية لتعريف مختلف الشعوب بسماحة الإسلام وإنسانية الثقافة العربية عمل لا يمكن أن يخطط له وينفذه إلا العقلاء ودهاقنة تصريف الفعل السياسي بأكثر الأدوات قوة ونعومة.

كل ما يصل من كأس العالم بقطر يفيد أن الدوحة تسير في اتجاه رفع السقف عاليا وأن هذه الدورة ستبقى مرجعية للمستقبل وربما ستصعب على اللاحقين ممن سيحظون بتنظيم الكأس هذه المأمورية.

تسير الدوحة بإصرار لكسب الرهان رغم انغراس خناجر الغدر الغربي يوميا في خاصرة الدولة عبر التشويش وافتعال أي شيء لإفساد هذا العرس العربي بأي ثمن…إنهم يمكرون.

ومثلما أبرز دورة قطر الوجه المشرق للثقافة العربية الإسلامية سواء في الافتتاح المبهج والأسطوري أو عبر الفعاليات الموازية من ترفيه ولقاءات ونمط عيش، فقد عرت أيضا على كثير من العاهات التي نتمنى أن تشفيها شمس قطر اللافحة.

ولعل أسطع مثالين على تلك الأمراض والعاهات الكائنات القزحية التي تزعمتها وزير داخلية ألمانيا التي تسللت إلى المعلب وهي تخفي كأية لصة شارة قوم لوط وهي السلوك الذي انقلب عليها وجعلها وبلادها مسخرة عالمية، سيما بعد انتصار اليابانيين عليهم وإذلالهم.

وأما بعض مجانين إنجلترا ممن ارتدوا لباسا صليبيا وكأنهم داخلون إلى “حطين” فقد لاقوا هم والشواذ من الأمن القطري الرد اللائق..وبهدوء.

ولعل من أقوى رسائل الشعوب العربية الممثلة بمشجعيها في قطر ممن صرفوا من قوتهم ليكونوا هناك أولئك الشباب الذي قاطعوا ممثلي “دولة الكيان” وجعلوهم يستفيقون من وهم “التطبيع الشعبي”: فمن سائق سيارة أجرة يطردهم إلى صاحب مطعم يخرجهم ويجبرهم على مسح ما صوروا في محله إلى شاب يوهمهم أنه سيعطيهم تصريحا ويباغتهم بـ” فيفيا بالستيان”…هؤلاء مشكورين كلهم حطموا الوهم العنصري الغاصب على صخرة الظهر العربي العصي على الانكسار مهما اشتدت المؤامرات وتلونت.

شكرا قطر..شكرا للسعودية..شكرا للمغرب الذي كان أول من كسر الحصار عن قطر…شكرا لنا جميعا إذ بقينا مؤمنين بإمكانية النصر..المتراكم برمزياته التي تبقي جهاز مناعة الأمة شغالا وفعالا.

www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد