“العياشة” و”الجمهوريون” خطران يهددان المغرب..أقولها وأجري على الله

أحمد الجـَــــلالي

كلما سمعت بكلمة “عياشة” شعرت بالغثيان. وكلما سمعت عن دعاة “الجمهورية المغربية” أكاد أختنق ضحكا و بكاء. لماذا؟

 

في باب “تعياشت”:

تحولت مسألة العياشة خلال السنوات الأخيرة بالمغرب من مجرد مزحة سمجة إلى واقع ذهني ونفسي وتواصلي حقيقي يطرح تحديات يعرفها جيدا من يحتك بهذه الفئة واقعيا وافتراضيا.

وقبل التفاصيل، دعوني أبسط أمامكن فهمي الذي أزعم أنه صحيح لمن يسمون عياشة.

العياشة في فهمي ليسوا من يهتفون “عاش الملك”. إطلاقا. فأن تكون ممن يرون الحاضر والمستقبل مع الملكية دون غيرها من نظم الحكم فهذا حقك وليس به أي عيب كموقف سياسي/ثقافي أبدا.

والأمر لا يقتصر على المغاربة فحسب لأن شعوبا كثيرة تعتز بملكياتها من اليابان والتايوان إلى بريطانيا وغيرها من بلدان المعمور.

المشكلة ليست هاهنا بل في “نوع” العياشة الذين ابتلانا الله بهم لحكمة يعلمها. فالعياش ــ نعيدها ثانية ــ ليس من صاح: عاش الملك. العياش هو من يطبع مع الفساد والفسدة ويبرر الاستبداد والتخلف ويتعايش مع هدر الكرامة وأكل حقوق الناس بالباطل.

شخصيا، وفي مناسبات أتذكرها جيدا إلى اليوم شاهدت مرور الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس في الشارع العام   فهتفت “عاش الملك” طواعية، وبعفوية وبفرح أجهل إلى اليوم مصدره، ولو تكرر المشهد سواء كان المغرب في سلم أو حرب سأكررها: عاش الملك. وهذا الشعار لا يتناقض عندي نهائيا مع “عاش الشعب”، إذ لو لم يعش الشعب فمن أين له بشعب ليحكمه؟ وفي النهاية “عاش الشعب” يدخل ضمنها الملك لأن أبويه وأجداده من هذا الشعب على هذه الأرض.

كوني قلت وسأقول “عاش الملك” فهي ليست عبادة أشخاص بل تقديرا واعيا لأهمية نظام حكم صرنا وإياه ملتصقين ببعضنا في كل الظروف كما يلتصق الجلد بالعظم. قل وجهين لورقة واحدة. فمن يستطيع فصلهما؟

كوفي أفكر هكذا لا يجعلني من فصيلة “العياشة”: لأني لم ولن أناصر الباطل كما يصنعون، ولم ولن أصفق للفساد ولم لن أبرر الاستبداد بصرف النظر عن الجهة التي تسببت فيه..كما ولن أتعايش مع الباطل لا شعوريا ولا “نظريا”. نقطة سوداء كبيرة على السطر.

إلى هنا، أرجو أن تكون المفاهيم قد اتضحت كفاية لنمر إلى عمق الأشياء.

أخطر ما في ظاهرة تعياشت اليوم هو أنها تحولت إلى حالة طاغية في الإعلام البديل، فهم ليسوا كمشة أشخاص بل بالآلاف وعشرات الألون إن لم يكونوا أزيد من ذلك. ما يعني أنهم شكلوا حالة وعي زائف بأن “الأمور بخير” وأن من ينتقد أو يفكر بوضوح فتان والأفظع أنهم صاروا يهجمون على من يحسون بالغريزة فقط أنه مختلف عنهم فيسمونه بميسم العمالة والخيانة. أي أنهم يرتكبون جرم التخوين نهارا جهارا على مرأى من النيابة العامة.

يا ليت العياشة كانوا خطرا فقط على أسماء وأشخاص محددين، فالمصيبة أنهم خطر متزايد على النظام السياسي وعلى صورة المغرب ككيان بين كيانات هذا العالم المتداخل المعقد. كيف؟

إن من يدافع عن شخص أو كيان ما فهو بالضرورة يتقاطع معه أو يشبهه. والحال أن العياشة في “دفاعهم” عن النظام أمام العالم بالصوت والصورة والكلمة التي تبقى مسجلة إلى يوم القيامة يكشفون عن معدن ومنشأ غاية في السوء: مصطلحاتهم سوقية. مفرداتهم في الغالب تمتح من مزابل اللغة. تعابيرهم فاحشة قاموسها يمتد من أقصاه إلى أقصاه ما بين السرة والأعضاء المسؤولة عن “الإخصاب”. أسلوبهم أقرب إلى هجوم الضباع منه إلى الهجوم العقلاني المنظم والمسلح بالمنطق والحجة والبرهان والسجال.

هؤلاء كرسوا خلال السنين الأخيرة حالة تجاوزت حدود الوطن الجغرافية لتصبح عند الشعوب التي تفهم العربية “ماركة مغربية مسجلة”. لا فرق بينهم وبين “شياتة الجزائر” ولا “سلاتيح” مدن الملح ولا “شبيحة الأسد”.

لا يشرف الملكية ولا شعب محمد السادس أن تتحول هذه الشرذمة التي تحتاج إلى علاج نفسي طويل إلى ناطقين “فعليين” باسم الوطن، ولا مسؤولين حصريين لتحديد من الوطني ومن العميل الحائن. إنهم مسبة في حق تاريخنا ووصمة غيس على وجوهنا جميعا حتى يعود المنطق إلى المنطق وتنهزم السفاهة والتفاهة هزيمة شنعاء.

إن من يحب ملكه يجب أن يخبره بالحقيقة كما هي بلا مبالغة أو نقصان أو تجميل. ومن يعشق ملكه لا ينبغي أن يحاول تجميل صورة القبح أمامه. ومن يؤمن بعقد البيعة في عنقه تجاه ولي أمره سيكون منافقا في الدرك الأسفل من النار إن تواطأ بالصمت أو الكيد ضد الإصلاح الذي ينبغي أن يغجل به لإخراج البلاد من عنق الزجاجة الخانق.

إن من يحب وطنه لا يمكن أن يحول المشهد إلى جلبة للأبواق الكاذبة الصاخبة كي يحجب صوت الأنين والألم الشعبي عن أذني الحاكم، ولا بأي حال من الأحوال. ومن يعشق الوطن فعلا يستحيل عليه أن أن يسير في ركب السراق والمفسدين من يعدمون المستقبل بشتى الأساليب الفاسدة الماكرة المقيتة عبر توزيع الفتات على صبايا الوطن ومغفليه من الصبيان والبنات.

في باب “الجمهوريين”: 

ولأن المغرب السياسي ليس محظوظا بالمرة في هذه الحقبة من حيث استنبات النخب الحزبية وطلائع المثقفين العضويين المبدئيين الغيورين على مصير أمة، فلم يعد للمبدع ولا للمؤرخ ولا المبدع ولا المفكر صوت يسمع أو عقيرة ترفع.

لا ننكر دور عمليات التجريف والتمييع التي تعرض لها الحقل السياسي والثقافي المغربي خلال العقود السابقة وكيف أنتجت لنا المسخ والبؤس والانتهازية. لا ننكر هذا، من باب الموضوعية.

كما وأنه لا سبيل لنكران بشاعة الصرعة الجديدة التي عششت في شبكات التواصل/التناحر الاجتماعي فاستغلت الفراغ والضحالة الفكرية”الرأي العام” لتطرح نفسها في سوق الاسترزاق و “الأدسنس” بديلا للفكر وللثورة وللنظام وللحاضر وللمستقبل.

إنهم يتكاثرون ويسنتسخون أنفسهم وأساليبهم بمتوالية هندسية للأسف. وقد صيرهم الفراغ ” زعامات في أعين ضحايا التعليم والتربية  خلال القعدين المنصرمين على الأخص.

والكارثة التي تجعلني أبكي على سوء حظ وطني بلا دمع هي أنه بحكم الواقع أو بفعل “فاعل استراتيجي” فقد تم تسليط هؤلاء “الجمهوريين” على “العياشة” كما تم ضرب هؤلاء “الجمهوريين” المزعومين بسوط “العياشة”. ولو كان المشهد في ساحة كجامع الفنا لطفحت الفرجة والملهاة، ولكن لأن الأمر جدي ويهم تشكيل وعي مزيف بكثافة فقد تحولت الأمور إلى مأساة حقيقية على ركح المغرب كأمة وتاريخ وجغرافيا ومستقبل.

إن التبشير بالجمهورية لو علم القوم الغفل هو تبشير غراب ناعق بالخراب الكبير. مثلما أن خنق حرية التعبير والرأي المخالف يماثل السير بدفة سفينة جميلة رأسا إلى صخرة صماء.

إن الحل الحقيقي من أجل المغرب اليوم وغدا ليس ضرب هذا بذاك، و الخطة الأمثل لهزم الطائفتين معا كما تبدو لي ملامحها كالتالي:

 ــ العمل بلا تردد على فك حالة الاختناق السياسي والاجتماعي عبر إجراءات فعالة وسريع تعيد للناس الثقة في النفس وفي المؤسسات.

ــ تكريس مصالحة وطنية شاملة بين الدولة وبعض المناطق وبعض الفئات المتضررة.

ــ العودة إلى المنابع التي ظلت الأمة شعبا وإمارة مؤمنين ينهلان منها عبر قرون طويلة لإيجاد الحلول الممكنة لمشكلات حولها انعدام المسؤولية إلى معضلات عويصة.

ــ إعادة الاعتبار للقانون وصقل سيفه وتمريره بخفة ورشاقة على أيدي المفسدين من قطط سمان وكلاب وذئاب ضارية افترست الأخضر وتبولت على اليابس..هكذا تعود الثقة والطمآنية إلى ملايين النفوس.

ــ تحويل الإعلام الوطني بمختلف أشكاله ومنصاته إلى دوره الأصلي في التنوير والإخبار بأكبر هامش ممكن لحرية التعبير والنقد.

ــ مسح الغبار من على وجه وعيني المثقف وإعادته إلى مكان الصدارة في التبشير بالغد الأجمل والتحريض على النقد و ممارسة الحق في التفكير والمشاركة في السياسات العامة.

ــ من بين ملايين المغاربة يوجد المئات والآلاف على الأقل ممن يستطيعون تحمل مسؤولية أنقاذ المغرب في كل المواقع. وهنا أعني أساسا ملحاحية تطعيم النخب القيادية في البلاد بالكفاءات من الداخل والخارج قبل أن يسقط الفساد سقف الخيمة على الجميع.

ــ إننا نتابع ونشاهد كيف تبخرت النخب وسكت المثقفون والكل ينتظر كائنات خرافية تنزل علينا من السماء لتحل لنا مشاكلنا. إن حالة من الخوف المرضي والتخذير الذاتي والاستسلام تكاد تحولنا إلى مومياءات حية نائمة لا تستتفيق إلا على صوت قيامة لا تبقي ولا تذر. فبلادنا مستهدفة من كل الجهات ولائحة الأعداء في ازدياد مخيف.

ــ إن الوصول لهذه الأهداف في هذه الظروف الاستثنائية يتطلب إجراءات استثنائية. وليكن، حتى لو تطلب الأمر إعلان حالة استثناء جديدة. العبرة بالنتيجة على الصعيد الاستراتيجي.

والحل؟ الحل لن يأتي لا من المشارق ولا من المغارب.. الحل في تقوية وتنشيط الجبهة الوطنية الداخلية بقرارات سياسية تاريخية شجاعة شعاراها الركزيان: “الوطن أولا..الوطن أخيرا”..”عاش الملك..عاش الشعب..وسحقا لمن خانهما”.

 www.achawari.com

  

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد