في الأسبوع الأول من 2021 طلينا لخرا …والقادم أضرط..ودعوا أوهامكم

أحمد الجـــلالي

وكأن ما بباطن الأرض ضاق ذرعا بما فوقها من فساد ومفسدين فصعد إلى الأعلى ليحتج على العبث والظلم والإفلات من العقاب. وكأن الخراء الموجود في مجاري الواد الحار استنتج حتمية تلاقي الخنز التحتاني مع الخانزين على وجه الأرض البشع.

انتظر المغاربة بضجر نهاية العام الكوورني الماضي وتفاءلوا خيرا برقم 21 بدل 20 ،السنة التي شاب فيها الولدان واختلط فيها القائم بالمائل والحابل بالنابل، لكن مطلعها يقول تقريبا كل شيء عن القادم من المآسي، وعلامة العام على باب العام.

انتشينا قليلا بتطورات ملف الصحراء المغربية  وجاءت أمطار الخير لتعيد بعض الأمل لمقهوري الأرض، الفلاحين، بموسم يعوضون فيه جزءا مما ضاع، معولين على مغرب أخضر من صنع السماء، بعد فقدان الأموال في ألوان الحكومة أخضرها وازرقها وأسودها.

لكن الأمطار كانت لها رسالة وخطة أخرى، وهذه المرة على صعيد كبريات مدن المملكة. جاءت دموع السماء لتبكينا على حالنا ولتصعد ما بجوف الأرض وتعرضه على أنظارنا وأنوفنا مناظر براز وروائح مقرفة طافت أمواجا بشوارع البيضاء والمحمدية..وغرق الغلابة في محيط من الفضلات.

ولتكتمل الصورة البرازية في مغرب بداية العقد الثالث من الألفية الثالثة تداعت المنازل بدرب مولاي الشريف لتعلن نهاية أي أمل في حياة كريمة شريفة في هذه البلاد.

صاحت المنازل المتآكلة صيحة من قبضت روحه وتهاوت فوق رؤوس ساكنيها.

حدث كل هذا ومازال يحصل وسيحصل أخطر منه وكأن لا شيء ذا بال وقع: الحكومة في مكانها وكبار المسؤولين بهذه المدينة لا بأس بهم أو عليهم..بل حتى امتحانات التلاميذ لم يطرأ طاريء على مواعيدها وكأن الحياة عادية ولا شيء يدعو للقلق أو الاستنفار.

كل ما هناك أيها الشعب المدلل أن الواد الحار الذي كانت تحتكم أصبح يعيش بينكم، وما عليكم سوى التعود أنتم الذين عودتم العالم على العبقرية في التكيف والتعود.

كل ما هناك أيها الشعب المصوت بمائة درهم أو أقل أو يزيد أو ينقص قليلا أنكم سوف تمسحون ما علق بمنازلكم وأثاثكم وملابسكم من براز لتستعدوا بعد أشهر لاختيار براز بشري قديم جديد.

كل ما حصل أيها الشعب المبجل أنكم ستنسون سريعا أنتم الذين انبهر النسيان نفسه من ضعف ذاكرتكم، أنتم الذين تلملمون الجراح والإهانات سريعا لتقنعوا أنفسكم أنها بسيطة وما وقع بأس.

 والحقيقة  إنه فعلا “والوباس”، لأن ما حصل أمس وقبله في البيضاء وغيرها من المدن، قد حصل أبشع منه خلال فيضانات مهولة سابقا أتت على كل شيء في كوكب آخر اسمه البادية المغربية حيث جاع البشر والحيوان أو ماتوا تحت بحار مسرعة ومع ذلك لم تعلن مناطق منكوبة ولا منعت الدولة لاحقا أسباب حدوث تلك المآسي.

 فعلا “والوباس” لأننا مرارا “طليناه اخضر وعاوناه مكرد” ثم حوقلنا ونهضنا في انتظار الآتي الأبشع، وفي انتظاره أجبرنا عقولنا على تصديق الوهم الانتخابي والحزبي والشعارات والتف طيف الناخبين حول أرباب النضال..واستمرت الناعورة في الدوران.

هاهي المجالس المنتخبة ترمي كرة النار السائلة إلى شركات التدبير المفوض، والأخيرة تعيدها إلى المجالس التي وقعت الصفقات، والسلطات إما تتفرج أو تصمت أو تغضب من أي نقد..وقد تصدر بلاغا في الموضوع..ونستمر في أحضان الشرنقة شاكرين حامدين  إلى ما لا نهاية.

ولأن المواطن المقهور لا حول له ولا يريد أصلا أن يكون له حول ولا قوة فإن قصارى ما يمكنه صنعه هو ما قالته تلك النسوة الغارقات في البيضاء والمحمدية: أسيدنا اعتقنا راحنا كنموتوا.

والملك، بصرف النظر عن صلاحياته وقدراته فإنه لا يملك عصى موسى ولا معجزات عيسى، وحتى وإن غير كل المسؤولين وعاقبهم بالسجن فإنه مضطر لتعويضهم بمسؤولين آخرين من البلاد نفسها وليس من كوكب آخر، أي أشخاص مغاربة من البيئة نفسها ويحملون الثقافة ذاتها، مع بعض الفوارق الشخصية، وتمضي السنوات وتحدث الكوارث ويثبت التقصير أو الفساد..وتستمر الحالة بلا تغيير يحدث الطفرة المطلوبة.

إن الفساد الذي نحن جميعا ضحاياه كيان متكامل بمناعة ذاتية، وأخطر ما يقوي الفساد أنه أصبح ثقافة تستمد بقاءها من “أخلاق” الانتهازية والتستر والتواطؤ بين الجميع وكول ووكل وسيدي قاسم وزايد ناقص ونفسي نفسي..وما إلى ذلك من “عقيدة” القافزين.

سيستمر الفساد وما يخلفه من فواجع وستستمر المحاولات الترقيعية هنا وهنا دون أن يتوقف لأنه سرطان ولا بد أن يكمل دورته “الطبيعية” مادامت إرادة استئصاله عبر ثورة ثقافية سياسية غائبة وربما غير مرغوب فيها أصلا.

ستزداد ضريبة تبعات الفساد ارتفاعا وثقلا مادامت البيئة التي تغذيه بدءا من عقولنا وضمائرنا وخوفنا باقية، ولن يعني الوجع والصرخات شيئا أكثر من وجع من به ألم أسنان أو أنين تلك المغربية المرمية على باب المصحة لتلد كالبهيمة على الأرض والناس يمرون بها غير مبالين.

ستزداد رقعة الأمل انحسارا ومساحة الضياع اتساعا ما دمنا نحن نحن أوفياء لـ”نعم” في كل شيء مقاطعين مخاصمين لـ “لا”، هذه الكلمة المكونة من حرفين والتي هي أول علاقة تربطنا بالخالق عندما نصنف أنفسنا موحدين: “لا” إله إلا الله.

سنتقدم بثبات نحو الهاوية، ليست لدي أوهام في هذا الاتجاه، ورصيدي من الوهم صفر مكعب، ما لم تحث معجزة مغربية. ولشديد أسفي، فزمن المعجزات انتهى مع الأنبياء والمرسلين والتاريخ لا يؤمن بالطفرات.

 www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد