“التنظيم الذاتي للمهنة”..جائحة ضربت صحافة المغرب قبل كورونا

أحمد الجلالي

تشكل المرحلة التي نمر بها في المغرب حاليا مناسبة للفرز الحقيقي يهم كل المؤسسات والشعارات والأشخاص، وهي فرصة لمسح الطاولة والبدء من المربع الأول بحيث نبقي على الصالح والأصلح.

ما نمر به اليوم لابد أن يدفع الدولة إلى مراجعة شاملة للميزانيات وأين تصرف، وللأولويات وبماذا علينا أن نبدأ، وإلى تقويم الأشخاص المسؤولين ومحاسبة الجميع فيقدم إلى الواجهة من يستحق بالكفاءة ونظافة اليد مع شطب الطحالب والطفيليات تماما، والقطع مع عهدها الريعي الذي أثقل كاهل الأمل بلا طائل.

بات واضحا اليوم من يستحق التحية والتقدير في العالم كله: الطبيب ورجل الأمن ورجل التعليم ورجل السلطة والإعلام المهني.

في المغرب نتوفر على الأضلاع المشار إليها، لككنا نفتقر بكل حزن إلى ضلع الإعلام الحقيقي.

هذه مناسبة لكي نطرح أسئلة ملحة حول دور المجلس الوطني للصحافة وأمه التي أنجبته المسماة النقابة الوطنية للصحافة المغربية.

النقابة معروف تاريخها ومعروفة هي المحطات التي أخلفت فيها موعدها مع التاريخ، منذ تأسيسها وإلى مؤتمر مراكش قد أدلينا بدلائنا كلها في هذا الباب، لكن تسليط الأضواء الكاشفة الحارقة على المجلس لابد أن تصبح أكثر كثافة في هذا الظرف العصيب.

حينما بح صوت قليل من المهنيين غير الانتهازيين بالصدح والفضح ضد تشكيل المجلس بالطريقة الحربائية التي صنع بها، وحينما كتبت المقالات ورفعت الشعارات صمت الدولة آذانها وكأنك يا أبو زيد ما صرخت.

لقد كانت هواجس بعينها تتحكم في من ساعدوا على تمرير ولادة مجلس أعرج كسيح، فأرادوا الإبقاء على وضع متحكم فيه دون بعد رؤية، ضاربين بعرض الحيطان كلها تطلعات مرحلة وجيل بأكمله في إطار ديموقراطي يصنع النهضة الإعلامية ببلادنا خال من كل الديناصورات وصناع “القالب” الحزبي الانتفاعي.

لقد تموضعت في دفة تسيير المجلس أغلبية الرابط المشترك بينها هو الحزبية والفشل والإفلاس المهني والخصام المزمن مع الكتابة والإبداع والحب المجنون للمال والألقاب.

إنهم يتصرفون كما لو كان هذا المجلس بملاييره من أموال الشعب حقهم الطبيعي في الكعكة التي على الدولة أن تؤمنها لهم وحدهم وأن ليس لأي كان الحق في النقد أو الصراخ عاليا ضد هذا المنكر.

والأدهى أنهم رغم كونهم  أول من وقعوا في التنافي وخرقوا القوانين المؤسسة للمجلس وكيفية الانتقاء والانتخاب، هاهم لا يرعوون اليوم في الزعم أنهم يطبقون القانون، فيما هم في الحقيقة يطبقون وصفتهم الأثيرة في كيفية أكل لحوم الأكتاف وتصفية الضغائن والحسابات القديمة مع أعداء الأمن ومع القلقة القليلة من شباب اليوم ممن يملكون الجرأة لإعلانها بلا جبن: أيها العير إنهم مخربقون منتقمون فاشلون.

لله في ملكه آيات، فقد جاء الوباء وخيم على العالم كله وشمل بظلاله مجلس الصحافة وحجب العهد الورقي الذي بسببه أصبحت لملاك المجلس والنقابة ألقاب وكراس.

اليوم تعرت العورات كلها ولم يعد شيء يحتاج إلى توضيح، وعلى أصحاب الحل والعقد أن يفكوا العقد كلها كي ينطلق المغرب.

ها أنتم ترون أرباب الرخص في المجلس إياه يمنعون عن المهنيين بطائق جعلوها حصان طروادتهم عبر لجنة عجيبة يجب أن تخضه هي نفسها إلى امتحان في الصحافة والتحرير قبل أن تتحكم في أسيادها المبدعين المهنيين أصحاب التاريخ والحاضر المشرف.

في الزمن الإعلامي المغربي الأغبر، يمنع المهنيون من البطاقة ولا يستطيعون العمل الميداني، فيما تشتت البطاقات يمينا وشمالا على الجيش الانتخابي الاحتياطي، بدواع مبكية مضحكة..والمسؤولون يتفرجون على الإعلام رأس الحربة في المعارك المصيرية يلجه كل من هب ودب.

ماذا صنع المجلس والنقابة من أجل المهنيين والمهنة في هذا الظرف غير اجتماع عن بعد واستعراض الكراسي الصقيلة؟

ماذا فعل المجلس والنقابة لمساعدة الصحافيات والصحافيين ماديا وعمليا من تلك الميزانيات الريعية غير فرنكات سلموها بزز وبعد تردد معيب لصندوق مكافحة الوباء؟

إنهم لا يملكون من الخيال ولا من العزيمة ولا الرغبة والصدف لفعل أي شيء سوى تحنيط الميدان ليظل دمية بلا حراك بين أيديهم.

ولاية تمر وأخرى تليها وفي الأثناء تهييء جيوش انتخابات الغد عبر الضغط والترغيب ومن ضمنه آلية التبطيق وترويض النسر ليصبح وديعا كالبطريق.

ولقد أحسن مدير وكالة المغرب العربي للأنباء صنعا حينما صنع لصحافييه بطاقتهم الخاصة بالمؤسسة وكسر الجرة بالجرة. وكان من حسنات موقف الوكالة أنها أحدثت الفرز في المشهد: كشف رئيس المجلس عن مستواه الحقيقي “قانونيا” وعرى مريديه من المطبلين والمزمرين..وأماط اللثام عن مسرحية التنظيم الذاتي ــ بمعنى الأناني ــ للمهنة.

على صناع القرار اليوم أن يختاروا ويتحملوا مسؤوليتهم: إعلام مغربي قوي متفاعل مهني نظيف أو الصعود بالمهنة كلها إلى قعر القعر.

 www.achawari.com

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد